حزب الله بعد الضربة الإسرائيلية- حسابات معقدة وخيارات محدودة

المؤلف: صهيب جوهر08.29.2025
حزب الله بعد الضربة الإسرائيلية- حسابات معقدة وخيارات محدودة

الاعتداء الإسرائيلي الأخير على الأراضي الإيرانية لم يكن مجرد حادثًا عابرًا في منطقة الصراعات المتأججة، بل كان بمثابة نقطة تحول جوهرية في إعادة تشكيل موازين القوى، من العاصمة الإيرانية طهران وصولًا إلى بيروت. فقد امتدت آثاره الوشيكة إلى حليف إيران الأبرز، حزب الله، الذي وجد نفسه في موقف حرج، دفاعيًا بدلًا من الهجوم، يواجه تساؤلات جوهرية حول دوره، وقدرته على الرد، ونطاق تحركاته المستقبلية.

تستدعي الظروف السياسية الراهنة تحليلًا متعمقًا لمكانة الحزب عقب الضربة: هل يمتلك القدرة على اتخاذ قرار التدخل؟ أم أن المتغيرات اللبنانية والإقليمية والدولية تحتم عليه نوعًا من الشلل الاستراتيجي؟ وهل الدخول في مواجهة جديدة يمثل خيارًا واقعيًا، أم أنه عبء يفوق قدرته على التحمل؟

بعد الحرب الإسرائيلية المدمرة على لبنان الصيف الماضي، بات واضحًا أن الواقع اللبناني الداخلي لا يشكل بيئة ملائمة لأي مغامرة عسكرية جديدة. فمنذ بداية المواجهة المحدودة على الجبهة الجنوبية عقب السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تكبدت مناطق نفوذ حزب الله خسائر فادحة، أبرزها اغتيال شخصيات قيادية سياسية وعسكرية، على رأسهم الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، بالإضافة إلى دمار واسع النطاق في البنية التحتية الجنوبية، ونزوح مئات الآلاف من السكان، في ظل غياب شبه كامل للدولة، وتأخر ملحوظ في وصول المساعدات الإنسانية.

إضافة إلى ذلك، تلوح في الأفق أزمة إعادة الإعمار، التي أضحت مشروطة سياسيًا، حيث ربطت الدول المانحة أي تمويل حقيقي بإحداث تغيير في موقع الحزب وسلاحه. هذا السيناريو أوجد أزمات متفاقمة داخل البيئة الداعمة للحزب، والتي بدأت، بهدوء، بالتساؤل حول تكلفة الصراع وجدوى استمرار سياسة المواجهة بالشكل الحالي.

لا يمكن تجاهل حالة الاحتقان الداخلي التي لم تقتصر على المناطق الشيعية فقط. فالانقسام السياسي الحاد، وعجز الحكومة عن القيام بورشة إصلاح إداري شاملة، كلها عوامل تضغط في اتجاه التهدئة وليس التصعيد. لا يوجد توافق داخلي شامل للحرب، ولا موقف لبناني موحد يمكن أن يمنح الحزب تفويضًا بالرد الواسع، وهو ما يزيد من إحراج قيادته أمام مؤيدين بدأوا يشعرون بأن الحرب أصبحت بلا جدوى، وأنه لا أحد يشاركه في تحمل التكاليف أو اتخاذ القرارات.

إذا كان حزب الله قد نجح على مدى عقود في تعزيز حضوره الإقليمي من خلال شبكة إمداد تمتد من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا، فإن هذا الطريق أصبح اليوم شبه مقطوع. فسوريا، التي كانت تمثل عمقًا استراتيجيًا للحزب، تغيرت قواعد اللعبة فيها. إن صعود الرئيس أحمد الشرع إلى السلطة، والانفتاح الخليجي والغربي على دمشق، غيّر من توجهات النظام السوري.

النظام الجديد، الذي يهدف إلى إعادة تأهيل نفسه على الساحة الدولية، ليس مستعدًا للدخول مجددًا في لعبة المحاور، خاصة إذا كان ثمن ذلك هو تقويض أي مسار تفاوضي مع الغرب، خاصة أن سوريا اليوم تمر بمرحلة انتقالية.

هذا التحول يضع الحزب في موقف صعب من الناحية العملياتية، حيث لم تعد الحدود السورية مفتوحة كما كانت في السابق، كما أن دمشق، التي عرفها الحزب وتعاون معها لثلاثة عقود، ليست على استعداد لدعم دور الحزب الإقليمي، في ظل الحديث عن فتح مسار تفاوضي إسرائيلي- سوري، مما قد يجعل من حزب الله عبئًا حتى على من كان يعتبره حليفًا.

هناك تأكيد قاطع من قبل الأطراف الدولية والإقليمية بأنه لا يمكن السماح بانزلاق المنطقة ولبنان إلى حرب جديدة، فمنذ اللحظات الأولى للضربة، فتحت عواصم إقليمية وغربية قنوات اتصال مع حزب الله، في محاولة لاحتواء الوضع. وخلال هذه الاتصالات، تلقت قيادة الحزب مطالب واضحة بعدم الانجرار إلى الرد، أو على الأقل تقييده ضمن الحدود اللبنانية، ومنع أي توسع في نطاق الحرب.

الأمر المثير للانتباه هو أن هذه الوساطات لم تنطلق بدافع الخوف من رد إيراني مباشر، بل من إمكانية استخدام حزب الله كمنصة لإشعال حرب إقليمية واسعة النطاق، وهو ما تسعى واشنطن وحلفاؤها لتجنبه بأي ثمن، على عكس ما يطمح إليه بنيامين نتنياهو، الذي يراهن على اندلاع صراع شامل يعيد ترتيب الأوراق.

حتى الآن، يتعامل الحزب بحذر شديد. يهدد بالرد، لكنه لا يلتزم به. يرسل إشارات تهدئة، لكنه لم يتخذ قرارًا بالرد. لذا، فإن التريث هو الشعار الحالي، ليس لأن الحزب لا يرغب في الدفاع عن حليفه الأبرز، بل لأن الظروف ليست مواتية كما كانت في الماضي.

من المؤكد أن حزب الله، شأنه شأن الأطراف الأخرى، ينتظر تطورات الوضع الإقليمي الجديد لكي يبني عليها، وخاصة مع الزيارة المرتقبة للمبعوث الأمريكي إلى سوريا ولبنان، توم باراك، الذي سيحمل عرضًا مشابهًا لما قدمه سلفه آموس هوكشتاين قبل أشهر، والذي يتضمن انسحابًا إسرائيليًا من مزارع شبعا، مقابل انسحاب حزب الله من معادلة الصراع. ولكن هذه المرة، العرض ليس مصحوبًا بالليونة الدبلوماسية. فباراك يأتي برسالة حاسمة: "إما القبول الكامل بالشروط الأمريكية، أو ترك لبنان يواجه مصيره في مواجهة إسرائيل".

المبادرة تتجاوز مجرد ملف الحدود، بل هي جزء من ترتيبات إقليمية أوسع نطاقًا تشمل سوريا، التي تُدفع نحو التطبيع مع تل أبيب مقابل ضمانات أمنية، وصفقات إعادة الإعمار. وإذا رفض لبنان، فسيُترك لمصيره، مع تهديد أمريكي صريح بعدم الاستمرار في الوساطة أو تقديم الحماية السياسية.

هذا المسار يحمل تداعيات عميقة على لبنان. فإذا تم التوصل إلى تسوية سورية – إسرائيلية، فسيكون لبنان معزولًا، يتخبط في أزماته، بينما تتقدم دمشق نحو إعادة دمجها إقليميًا. عندها، لن يكون سلاح حزب الله ورقة قوة، بل عبئًا استراتيجيًا على الأطراف المتنازعة في البلاد.

حزب الله يدرك حجم التحديات والحدث، وهو الخارج من صراع عنيف تردد صداه في جميع أنحاء المنطقة، لذلك سيسعى لتجنب الدخول في ملحمة عسكرية معقدة، بالاعتماد على الظروف الشيعية اللبنانية والتحديات الجغرافية والحقائق الداخلية التي لا يمكنه تجاوزها بأي شكل من الأشكال.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة