زيارة عباس إلى بيروت- سلاح المخيمات يُعمّق الانقسام الفلسطيني.

بالرغم من انتهاء زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت، إلا أن ارتداداتها ما زالت تلقي بظلالها. فقد تصدر موضوع "سلاح المخيمات" قائمة الأولويات خلال الزيارة، إلا أن النتائج الملموسة التي تمخضت عنها بقيت حبيسة طي الكتمان ومحاطة بالشكوك. وقد أثير لغط واسع حول هذه الزيارة والاجتماعات التي رافقتها، والتي انعكست بشكل كبير على الحسابات السياسية الداخلية اللبنانية، وتداخلت أيضًا مع التطورات الإقليمية والدولية الراهنة. والأهم من كل ذلك، أدت الزيارة إلى مزيد من "التصدع" في الصف الفلسطيني بدلًا من توحيده. فكيف حدث ذلك؟
خلال فترة الزيارة وما سبقها، تردد صدى الحديث عن أن الهدف الرئيسي هو "نزع سلاح المخيمات"، مع التأكيد على أنه لا ينبغي وجود أي سلاح فلسطيني خارج نطاقها. وقد تم التذرع بشعارات ذات "مظهر رحيم وباطن مؤلم"، مثل احترام سيادة الدولة والقانون، وقصر حيازة السلاح على الدولة، وإزالة الذرائع والأعذار من يد العدو.
لكي يتحقق هذا الهدف الطموح، الذي يهدف إلى محو آثار ستة عقود من وجود السلاح، كان من الضروري أن يبدأ الرئيس الفلسطيني، قبل الشروع في الزيارة، بإجراء حوارات معمقة مع "حاملي السلاح"، وهم الفصائل المختلفة في منظمة التحرير التي يرأسها، وحركتا حماس والجهاد، بالإضافة إلى الجماعات والتنظيمات "الإسلامية" التي تجمعت في المخيمات على مدار الخمسة وعشرين عامًا الماضية، وهي فترة شهدت ازدهار "حركات الإسلام المسلحة" بمختلف أيديولوجياتها ومراجعها.
لكن هذا لم يتحقق، ولم يخطر ببال "الممثل الشرعي الوحيد"، الذي اعتقد أن امتلاكه "خاتم" المنظمة يمنحه الحق في التصرف بشكل فردي نيابة عن الجميع، بل وأحيانًا بما يتعارض مع إرادة غالبيتهم. وهذا مثال آخر على الاستخدام السيئ لهذا "الخاتم"، والازدراء بمختلف الكيانات والمكونات الفلسطينية الفاعلة على أرض الواقع، والتي قد تكون أكثر نفوذًا وحضورًا من "الممثل الوحيد" ذاته.
يبدو أن رام الله لم تدرك أنه لا يكفي أن يتعهد الرئيس بنزع السلاح، فالمسألة أعقد من ذلك على أرض الواقع. فالشخص الذي قدم الوعد والتعهد لا يملك القدرة على الوفاء بهما وضمان تنفيذهما، وذلك لأسباب فلسطينية داخلية، وأخرى تتعلق بتعقيدات المشهد اللبناني. وكان من الأجدر بالرئاسة الفلسطينية إجراء مشاورات وحوارات مع "الجهات الفاعلة" قبل إطلاق التعهدات بشكل عشوائي، بدلًا من تجاهلهم وإداراة الظهر لهم.
إن من عرقل جهود ومساعي "إعادة تنظيم البيت الفلسطيني" على المستوى الوطني في أحلك الظروف وأصعب المراحل، ومن تجاهل كل النداءات والمطالبات بإصلاح المنظمة وإحيائها وفتح أبواب المشاركة الفعالة فيها، لن يكون مهتمًا "بترتيب" هذا البيت على المستوى المحلي اللبناني. وهكذا، ساهمت الزيارة في تأجيج الخلافات الفلسطينية الداخلية، وإضافة ملف جديد إلى الملفات القديمة المتراكمة، بدلًا من أن تكون مدخلًا وتمهيدًا لمعالجات أعمق وأشمل وأبعد مدى.
والحقيقة أننا لا نستغرب "الاستخفاف" الذي تعامل به مع هذا الملف الشائك، والاهتمام الضئيل بحزمة العناوين والتحديات التي تواجه الوجود الفلسطيني في لبنان. فالرئيس، الذي يرفض فكرة وجود سلاح في أيدي المواطنين وفصائل المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة، لن يوافق أبدًا على وجود هذا السلاح في أيدي أبناء المخيمات في لبنان. وقد سبق له أن طرح فكرة نزع "سلاح المخيمات" قبل سنوات، لكن لم يكن أحد من اللبنانيين مستعدًا لتسلمه والمشاركة في مشروع نزعه.
والرئيس الذي لا ينفك يتحدث عن "حصرية السلاح" لسلطته، تحت الشعار الدائم: "سلطة واحدة، سلاح واحد، قانون واحد"، لن يتردد في تكرار هذه الشعارات في قصر بعبدا ومقر الحكومة اللبنانية، وأمام كل من التقاهم من ممثلي فريق "معين" من اللبنانيين. إلا أن تجربة السلطة وسلاحها تقدم دليلًا قاطعًا على أن هذا "السلاح الواحد" لم يحمِ الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية (ناهيك عن قطاع غزة)، ولم ينجح في تأمين مقرات السلطة ومناطق "أ" و "ب"، وفقًا لخرائط أوسلو وتقسيماتها المشؤومة. وهذا ما دفع العديد من اللبنانيين إلى السخرية من "الخبرات" و "النصائح" التي يمكنهم تعلمها من هذه الزيارة، المليئة "بالمواعظ" والمواقف من هذا القبيل.
وإذا كان فريق من اللبنانيين، من المسؤولين وبعض خصوم حزب الله و"الثنائي الشيعي"، قد استغلوا دعوة الرئيس عباس وأشادوا بها، لأسباب تتعلق "بالمعادلة اللبنانية الداخلية" وحساباتها، معتقدين أن سحب سلاح المخيمات قد يكون "بشرة خير" لتسريع نزع سلاح المقاومة والحزب، استجابة لضغوط واشنطن وتل أبيب وبعض الدول العربية، إلا أن "المستوى المهني" في لبنان لم يقتنع بهذه "البضاعة"، أو على الأقل لم يقتنع بها دون فحص وتدقيق.
وتشير المصادر إلى أن الاجتماعات التي أعقبت الزيارة بين الخبراء والمهنيين والأمنيين من كلا الطرفين، لم تكن بنفس "الاحتفالية" التي طغت على اللقاءات الرسمية، ولم ترتق إلى مستوى "الضجة" الإعلامية التي احتفت بهذا "الاختراق". فالأسئلة التي طرحها الفريق اللبناني كانت مليئة بالشكوك حول قدرة "الفريق الرسمي" الفلسطيني على تنفيذ العهد والوفاء بالتزاماته.
بل يمكن القول إن الفريق اللبناني، بما يمتلكه من بيانات تفصيلية حول الانتشار الفلسطيني المسلح، من حيث العدد والعدة، ومواقع التخزين، وكيفية توزيعها على القوى والفصائل والجماعات، لم يتردد في إحراج نظيره الفلسطيني، عندما اقترح عليه الشروع في نزع سلاح المخيمات "الخمسة" التي تتمتع فيها فتح والسلطة بالنفوذ الأكبر والسيطرة، في بيروت وطرابلس والبقاع، وترك سلاح المخيمات الأخرى لمرحلة لاحقة.
وهنا، انتقلت الكرة إلى ملعب "المحاور" الفلسطيني، قبل أن يندلع الخلاف خارج غرف الاجتماعات، ليصل إلى قواعد فتح وكوادرها، الذين فوجئوا بالأمر، ولم يكونوا جزءًا من "آلية صنع القرار".
والجدير بالذكر أن اختيار المخيمات الخمسة لبدء تجريدها من سلاحها، أثار تساؤلًا جديًا لدى العديد من الفلسطينيين واللبنانيين، ذلك أن مخيمات الجنوب، جنوب الليطاني، في محيط صور، كانت الأَولى بأن تكون نقطة البداية في هذا المسار، بالتزامن والتوازي مع مسار تنفيذ القرار 1701، وعمليات سحب سلاح حزب الله الجارية في تلك المنطقة، وتحت إشراف لجنة مراقبة وقف إطلاق النار الخماسية، برئاسة الولايات المتحدة.
وقد أثار هذا الأمر شكوكًا عميقة حول السياق الذي تندرج فيه قضية "سلاح المخيمات"، وما إذا كان الهدف هو تثبيت وقف إطلاق النار واستعادة الهدوء لجنوب لبنان، أم أنها خطوة تندرج في سياق أوسع، إقليمي ودولي، يهدف إلى تقليم أظفار "المقاومات" في لبنان وفلسطين، وانتزاع مخالبها مجانًا ودون مقابل، أو في أحسن الأحوال، مقدمًا وقبل أن يطمئن الساعون لإنجاز هذه المهمة إلى أنهم سيحصلون على الثمن في نهاية المطاف: لجم التوحش وضمان انسحاب إسرائيل، على الأقل من المناطق التي احتلتها مؤخرًا.
إن الفريق اللبناني المفاوض، الذي يحمل توجيهات قيادية، سياسية وعسكرية، بتجنب التعامل مع "سلاح المخيمات" بمنطق القوة، نظرًا لحساسية "المهمة" وصعوبتها في الوقت ذاته، لم يكترث كثيرًا بمسألة "الممثل الشرعي الوحيد". فمن منطلق إدراكه لتعقيدات خرائط المخيمات، بدأ هذا الفريق في إجراء اتصالات مع بقية القوى الفلسطينية، ودخل في حوار معها. وكان من الأجدر بالرئيس وفريقه القيام بهذه المهمة قبل الذهاب بشكل منفرد إلى غرف الحوار والتفاوض مع الجانب اللبناني.
وأعتقد أن البحث الجماعي مع الفصائل الفلسطينية يمكن أن يكون مدخلًا للحديث عن "أمن المخيمات"، حتى لا نشهد تكرارًا لمأساة "صبرا وشاتيلا"، بالإضافة إلى ضمان "سلة" الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية، المحظورة على اللاجئين الفلسطينيين، خاصة في ظل وجود فريق من اللبنانيين لا يمانع مطلقًا في أن يكون "التهجير" إلى المنافي البعيدة هو الحل لمشكلة اللجوء الفلسطيني في لبنان، في ضوء استحالة خيار "العودة"، ورفض خيار "التوطين". فخيار بقاء الفلسطينيين في مخيماتهم، وتمتعهم بحياة كريمة لائقة، ليس مدرجًا على جدول أعمال هذا الفريق.
وخلاصة القول: لا شك في مشروعية بسط سيادة الدولة اللبنانية على كل أراضيها، وليس من حق الفلسطينيين الاعتراض على فكرة "حصرية السلاح" ومشروع "بناء الدولة"، ولا يوجد "قدسية" خاصة تحيط "بسلاح المخيمات". إلا أن المقاربة التي انتهجتها السلطة الفلسطينية والزيارة لم تساعد لبنان، وأضافت سببًا جديدًا للانقسام الفلسطيني. والأهم من ذلك، أنها أبقت ملف السلاح معلقًا دون أفق عملي للمعالجة، وكانت في المحصلة، حلقة في سلسلة الضغوط الأميركية على المقاومات الفلسطينية واللبنانية- التي يقودها ستيف ويتكوف إقليميًا ومورغان أورتاغوس لبنانيًا- بدلًا من أن تندرج في سياق ترتيب البيت الفلسطيني وتطوير العلاقات الفلسطينية اللبنانية، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.