أجندة ترامب وبانون- تفكيك الاتحاد الأوروبي وتداعياته الجيوسياسية الخطيرة.

المؤلف: جاسيك روستوفسكي08.12.2025
أجندة ترامب وبانون- تفكيك الاتحاد الأوروبي وتداعياته الجيوسياسية الخطيرة.

في أعقاب تولي دونالد ترمب سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، تجلى بوضوح نيته في التراجع بشكل جذري عن الأجندة التقدمية للمساواة، تلك التي لطالما ارتبطت بالتيارات السياسية المهيمنة، ليس فقط داخل الولايات المتحدة، بل على نطاق العالم أجمع.

كان ستيفن بانون، الشخصية النافذة في إدارة ترمب والرئيس التنفيذي السابق لصحيفة بريتبارت نيوز اليمينية المتطرفة، متحمسا لتنفيذ هذا المشروع الإيديولوجي الطموح. واليوم، بات واضحا أن تصريحاته وتصريحات ترمب يجب أن تؤخذ على محمل الجد التام وبحذافيرها.

في البداية، بدا انتقال ترمب سلسا وهادئا، إذ رشح العديد من الشخصيات التي لا يمكن إنكار جديتها، وإن كانوا يتمتعون بثراء فاحش، لتولي مناصب في حكومته. ولكن، بعد مراسم التنصيب، تفجرت الأوضاع بشكل غير مسبوق، حيث انطلق ترمب وبانون في تنفيذ مشروعهما بكل جدية وتصميم.

في أولى خطواته، قام ترمب بتعيين بانون، رفيقه المقرب، في أعلى هيئات مجلس الأمن القومي، أو لجنة الرؤساء. ثم رشح تِد مالوك، الأستاذ المثير للجدل في الدراسات التجارية من جامعة ريدينج في إنجلترا، سفيرا للولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي. وقد أعرب مالوك صراحة عن رغبته في "كشف زيف اليورو"، وتوقع أن العملة الأوروبية الموحدة لن تصمد لأكثر من ثمانية عشر شهرا. بالإضافة إلى ذلك، أثار ترمب احتمالات نشوب حرب تجارية مع المكسيك، ولم يتردد في مواجهة كبرى الشركات الأمريكية فيما يتعلق بقراره التنفيذي الذي يحظر دخول المسافرين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة.

الأمر الذي يثير القلق الشديد هو أن أجندة ترمب وبانون من المرجح أن تتضمن سياسات تهدف إلى إضعاف الاتحاد الأوروبي، وزعزعة استقراره، أو حتى تفكيكه في نهاية المطاف. ولا يوجد أي تفسير آخر لعداء ترمب العلني لهذه الكتلة سوى الدوافع الإيديولوجية المتطرفة

إن المشروع الإيديولوجي الذي يسعى ترمب وبانون إلى تحقيقه يحمل في طياته تداعيات جيوسياسية واقتصادية بعيدة المدى، وهذه التداعيات يجب أن تثير قلق ليس فقط التقدميين، بل أيضا المحافظين التقليديين مثلي. ولكي نفهم إلى أي مدى قد يذهب الرجلان في تحقيق رؤيتهما، يجب علينا أولا أن ندرك أهدافهما الجوهرية.

الأمر الذي يثير أشد المخاوف هو أن أجندة ترمب وبانون من المرجح أن تتضمن سياسات ترمي إلى إضعاف الاتحاد الأوروبي، وزعزعة استقراره، أو حتى تفكيكه في نهاية المطاف. ولا يوجد أي مبرر آخر لعداء ترمب الصارخ لهذه الكتلة سوى الدوافع الإيديولوجية المتطرفة، أو تعييناته المثيرة للدهشة للسفراء، أو السؤال الوقح الذي وجهه إلى رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك: "ما هي الدولة التالية التي تعتزم الانسحاب؟"

في السياق الجيوإستراتيجي التقليدي، يمثل الاتحاد الأوروبي امتدادا قيما وغير مكلف للقوة السياسية والعسكرية الأمريكية. وبالنظر إلى التفوق العسكري الهائل لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والدور الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي كحاجز منيع في وجه التوسع الروسي، يمكن للولايات المتحدة أن تتجنب الانزلاق إلى "حرب ساخنة" مع روسيا. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الاتحاد الأوروبي، جنبا إلى جنب مع اليابان، حليفا اقتصاديا وعسكريا موثوقا به، وتسمح صداقته للولايات المتحدة بأن تتحدث باسم "المجتمع الدولي".

لا أستطيع تصور أي ظرف من الظروف قد يجعل تفكيك النظام الدولي الغربي يخدم المصالح الوطنية الأمريكية، حتى لو نظرنا إلى الأمر من زاوية القومية. فالإدارة التي تسعى بصدق إلى تحقيق مصالح "أمريكا أولا" يجب أن تتوقع من حلفائها أن يضطلعوا بدورهم في إطار حلف الناتو، وأن يلتزموا بالسياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بالقضايا غير الأوروبية. ولكنها لن تعمل دون مبرر على تفكيك كيان يعزز قوة الاتحاد الأوروبي مجانا، كما تهدد سياسة ترمب الخارجية بأن تفعل.

إذا كنت مصيبا بشأن الأجندة الإيديولوجية لترمب وبانون، فيمكننا أن نتوقع منهما أن يجدا طريقة لدعم زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية الفرنسية هذا العام، وتشجيع "خروج بريطانيا الصعب" في المملكة المتحدة (فقط لتركها في وضع حرج بعد ذلك). ومن المرجح أيضا أن يرفع ترمب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا بعد ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، حيث إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبانون يمثلان توأما إيديولوجيا.

علاوة على ذلك، يجب ألا نعلق آمالا كبيرة على أي تطمينات أمنية ربما قدمها وزير الدفاع جيمس ماتيس لكوريا الجنوبية واليابان خلال جولته في شرق آسيا. فمثل هذه الوعود لا تساوي الكثير، تماما كما كان تعهد ترمب للرئيس البولندي أندجي دودا بأن "بولندا يمكنها الاعتماد على أمريكا".

التوقعات بالنسبة لعالم المال والأعمال تبعث على القلق بنفس القدر. ففي نهاية المطاف، ستؤدي سياسة ترمب الخارجية المزعزعة للاستقرار إلى حدوث اضطرابات اقتصادية عالمية، فضلا عن حالة من عدم اليقين وتراجع الاستثمار، حتى وإن لم تندلع حروب تجارية واسعة النطاق

على الصعيد المحلي، يجب أن يكون الأمريكيون على استعداد لمراقبة الإدارة وهي تستبعد المسؤولين الذين لا يدافعون عن أجندتها. لقد شهدنا بالفعل بوادر مبكرة لهذا عندما ظهرت شكاوى من تجاهل وكلاء الهجرة في نيويورك لقرار صادر عن أحد القضاة الفيدراليين بوقف العمل بقرار حظر السفر الذي أصدره ترمب.

أما التوقعات بالنسبة لعالم المال والأعمال فهي تبعث على القلق بنفس القدر. ففي نهاية المطاف، ستؤدي سياسة ترمب الخارجية المزعزعة للاستقرار إلى حدوث اضطرابات اقتصادية عالمية، فضلا عن حالة من عدم اليقين وتراجع حاد في الاستثمار، حتى وإن لم تشتعل نيران حروب تجارية واسعة النطاق. وعلى المستوى الداخلي، من المتوقع أن يؤدي إضعاف سيادة القانون إلى تقويض أي فوائد اقتصادية محتملة قد تنجم عن التخفيضات الضريبية وإزالة القيود.

لا شك أن تنفيذ هذا المشروع يمثل إستراتيجية محفوفة بالمخاطر بالنسبة لترمب. فمن خلال استقطاب الرأي العام الأمريكي إلى هذا الحد، قد يعاني هو والجمهوريون من هزيمة ساحقة في انتخابات التجديد النصفي في عام 2018 أو في الانتخابات الرئاسية في عام 2020، وقد يعرض نفسه لخطر العزل.

هناك تفسيران محتملان لإقدام ترمب على هذه المجازفات الجسيمة. الأول هو أن حالة الانقسام التي يشهدها المجتمع الأمريكي قد خدمت مصالحه حتى الآن، مما سهل فوزه بترشيح الحزب الجمهوري ثم بالرئاسة. فالساسة يميلون إلى التمسك بما يحقق لهم أهدافهم، إلى أن يفشل هذا النهج.

التفسير الثاني هو أن بانون هو من يتخذ القرارات السياسية الفعلية، وهو أكثر اهتماما ببناء "حركة" شعبوية صلبة ودائمة من تأمين إعادة انتخاب ترمب. وإذا كان بانون مصمما على تغيير المشهد السياسي الأمريكي، فإن ترمب المعزول أو المهزوم قد يصبح الشهيد المثالي لحركته.

قد لا يبشر هذا بالخير بالنسبة لترمب ذاته، ولكن في هذا السيناريو لن يمثل مصير ترمب أهمية كبيرة في نظر بانون، الذي وضع نصب عينيه أهدافا طموحة من شأنها، إذا تحققت، أن تجعل العالم مكانا مختلفا تماما عن الهيئة التي وجده عليها هو ورئيسه المزعوم.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة