هل نحن على أعتاب حرب عالمية ثالثة؟

المؤلف: محمود سلطان08.10.2025
هل نحن على أعتاب حرب عالمية ثالثة؟

في شهر يناير/كانون الثاني الفائت، فاجأ رئيس هيئة الأركان العامة البريطاني السابق، الجنرال باتريك ساندرز (من 13 يونيو/حزيران 2022 إلى 15 يونيو/حزيران 2024)، الجميع بتصريحه المثير للدهشة، حيث أكد على ضرورة استعداد مواطني المملكة المتحدة لتشكيل "جيش شعبي" تحسبًا لاندلاع حرب بين دول حلف الناتو وروسيا، مسترجعًا بذلك أساليب التجنيد الإلزامي المشابهة التي تم تطبيقها خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.

وعلى الرغم من المسارعة الفورية من قبل "داونينغ ستريت" للتنصل من تصريحات ساندرز، حيث وصفها المتحدث الإعلامي باسم رئيس الوزراء ريشي سوناك بأنها "غير بناءة"، إلا أنهم أظهروا تسامحًا جليًا مع تصريح مماثل أدلى به وزير الدفاع البريطاني، غرانت شابس، حينما أشار إلى أننا "ننتقل من عصر ما بعد الحرب إلى حقبة ما قبل الحرب". وأوضح في خطابه ذاته، أنه خلال الأعوام الخمسة القادمة، قد تجد المملكة المتحدة نفسها في مواجهة صراعات متعددة الأطراف، تشمل روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية.

ترافقت هذه التصريحات مع تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ، كشف عن أن الإشارات إلى الحرب العالمية الثالثة في الأخبار قد بلغت ذروتها مؤخرًا، مسجلةً أعلى مستوى لها منذ ستة عشر شهرًا.

وفي السابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كشف أوسكار رويز في موقع (The Diplomat in Spain) الإسباني، عما أسماه "عملية ألمانيا"، وهي عبارة عن وثيقة ضخمة تتكون من ألف صفحة، تحدد بالتفصيل الإجراءات التي ستتخذها الحكومة الألمانية لحماية البنية التحتية الحيوية، وتعبئة قواتها المسلحة، بالإضافة إلى المساعدة في تعبئة قوات حلف شمال الأطلسي، وذلك تحسبًا لاحتمال نشوب صراع في أوروبا.

وتوضح الوثيقة بالتفصيل كيف يمكن لألمانيا أن تسهم في حشد ما يقارب 800 ألف جندي من قوات حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك القوات الأميركية، لدعم أوكرانيا في حال تصاعد الوضع مع روسيا. ويعتبر هذا الإجراء خطوة استباقية لمواجهة صراع واسع النطاق محتمل، مثل الحرب العالمية الثالثة.

ويقول رويز، الذي قام بالكشف عن الوثيقة، إن أوروبا تستعد لحرب، وعلى الرغم من أن وقوعها مستبعد، إلا أنها تثير القلق؛ لأن أي "حادث" مؤسف أو "تقدير خاطئ" في هذا الاستعراض للقوة من كلا الجانبين، الذي نشاهده في الحرب الأوكرانية، قد يؤدي إلى تصعيد لا يمكن السيطرة عليه، وقد ينتهي باستعمال روسيا للأسلحة النووية.

وتتوقع مؤسسة "يوجوف" للأبحاث، أن الحرب العالمية الثالثة قد تندلع خلال فترة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات قادمة. وتكشف بياناتهم الحديثة عن أن غالبية البريطانيين يستعدون الآن لاحتمال نشوب حرب عالمية ثالثة، حيث يعتقد 53% منهم أن هناك احتمالًا كبيرًا لوقوع حرب عالمية أخرى خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة.

وأظهر استطلاع للرأي أعده المجلس الأطلسي، وشمل مجموعة من الاستراتيجيين العالميين والمختصين في استشراف المستقبل، أن 40% منهم يتوقعون نشوب حرب عالمية أخرى بحلول عام 2035. وقد عرّف المشاركون في الاستطلاع هذه الحرب بأنها "صراع متعدد الجبهات بين القوى العظمى"، مما يعكس المخاوف التي أعرب عنها خبراء آخرون وسط الحروب الكبرى الدائرة في أوروبا والشرق الأوسط، وتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، وتنامي التعاون بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران، وفقًا لما ذكره مركز الأبحاث.

وبينما يتركز الاهتمام الحالي بشكل كبير على سياسة حافة الهاوية الاقتصادية التي يتبعها دونالد ترامب، يتوقع معظم الخبراء أن المواجهة العسكرية المستقبلية ستتمحور حول تايوان.

وفي شهر أبريل/نيسان من عام 2023، أكدت صحيفة التايمز أن أي غزو لتايوان "سيمثل أحد الأحداث الأخطر والأكثر تأثيرًا في القرن الحادي والعشرين"، وأنه "سيجعل الهجوم الروسي على أوكرانيا يبدو كأنه مجرد عرض جانبي بالمقارنة".

ويتفق العديد من المتخصصين في المجال الدفاعي على أن الإطار الزمني المحتمل لذلك هو "خلال ثلاث إلى خمس سنوات"، مما سيجبر حلف الناتو على الدخول في صراع شامل مع موسكو، الأمر الذي قد يدفعها بدورها إلى دعوة حلفائها من الصين وكوريا الشمالية وإيران للانضمام إلى حرب عالمية.

لقد مثلت الحملة العسكرية التي أطلقها بوتين على أوكرانيا تحولًا جيوسياسيًا كبيرًا. ويرى خبير الأمن القومي، مارك توث، وضابط المخابرات الأميركية السابق، العقيد جوناثان سويت، كما نقلت عنهما صحيفة ديلي ميل، أن غزو أوكرانيا كان بمثابة إشارة إلى نهاية نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ويشددان على أن "غزو بوتين لأوكرانيا كان بمثابة المرحلة الافتتاحية للحرب العالمية الثالثة، وكانت بمثابة إعلان للمجتمع الدولي بأن النظام العالمي، كما كان قائمًا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، قد انتهى". ويضيفان أن "العالم، كما فعل مرارًا وتكرارًا في عصر الحروب الجماعية، قد يسير وهو نائم نحو صراع شامل"، على حد تعبير مجلة نيو ستيتسمان الأسبوعية البريطانية المرموقة.

ومع ذلك، يعتقد خبراء آخرون أن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت بالفعل، وأن العالم منخرط الآن في أتونها، ويستندون في ذلك إلى أن الحرب العالمية الثالثة ليست نسخة مكررة للحروب العالمية التي شهدها القرن العشرين.

"هذا الحريق العالمي الثالث لا يبدو مشابهًا لما صورته هوليوود. لا توجد غيوم فطرية أو أراضٍ قاحلة مدمرة. وكما ذكر مارك توث والعقيد جوناثان سويت في مقابلتهما مع صحيفة ديلي ميل المشار إليها سابقًا: "إنها حرب الألف جرح، تدور رحاها عبر ساحات قتال متعددة المناطق ومتعددة المجالات". وقد أطلقا عليها اسم "الحرب الهجينة" التي لا تقتصر المعارك فيها على استخدام الأسلحة المادية، بل تشمل خليطًا من الهجمات السيبرانية والمعلومات المضللة والتلاعب الاقتصادي.

ولا يقتصر خوض هذا الصراع العالمي -أي في الحرب الهجينة- على الجبهتين المادية والرقمية فحسب، بل يمتد ليشمل أيضًا المجال الأيديولوجي. وفي هذا السياق، صرح الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند: "نحن نخوض حربًا عالمية بين الديمقراطية والاستبداد".

وقد أصبح هذا الانقسام الأيديولوجي أكثر وضوحًا، مع انحياز روسيا والصين وكوريا الشمالية ضد الديمقراطيات الغربية. وشدد هولاند على ضرورة توحد أوروبا للدفاع عن ديمقراطيتها.

وعلى الرغم من التوترات المتزايدة، لا يزال بعض المحللين يتسمون بالحذر. وتحذر أديلين فان هوت، كبيرة محللي أوروبا في وحدة الاستخبارات الاقتصادية، من أنه على الرغم من ارتفاع خطر التصعيد، فإن الحرب العالمية الثالثة ليست حتمية بعد.

ويرى جاسين كاستيلو وجون شوسلر، الأستاذان المساعدان للشؤون الدولية في كلية بوش للحكم والخدمة العامة بجامعة تكساس، أن الصورة التي نراها اليوم مختلفة تمامًا، لأن الدولة الروسية – ما بعد الاتحاد السوفياتي وغيرهم من الخصوم المعاصرين للولايات المتحدة- لا يشكلون نفس التهديد الذي شكله الاتحاد السوفياتي. وقال كاستيلو: "إن الجيش الروسي اليوم هو مجرد تقليد باهت للجيش الأحمر".

وهذا لا يترك سوى الصين، كما يرى شوسلر وكاستيلو، باعتبارها الدولة الوحيدة التي تنافس الولايات المتحدة على التفوق الاقتصادي والعسكري العالمي، فمن المرجح أن تكون الصين، وليست روسيا، هي الخصم الرئيسي لأميركا في حرب عالمية في القرن الحادي والعشرين.

واليوم، من الصعب تصور حرب عالمية لا تضع الولايات المتحدة في مواجهة مع الصين. وما إذا كانت روسيا ستتحالف مع الصين في مثل هذه الحرب، فهو سؤال لا يزال مفتوحًا، كما يقول شوسلر. ويختتم قائلاً: "ما لم تنجر الولايات المتحدة إلى حرب ضد الصين، وتتصل هذه الحرب بطريقة ما بتلك الدائرة في أوروبا والشرق الأوسط، فإننا لا نتحدث عن حرب عالمية".

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة