قمة إسطنبول المحتملة- بوتين، ترامب، والحرب في أوكرانيا.

المؤلف: كمال أوزتورك08.09.2025
قمة إسطنبول المحتملة- بوتين، ترامب، والحرب في أوكرانيا.

في قلب إسطنبول، على ضفاف البوسفور المتلألئة، كانت الاستعدادات تجري على قدم وساق في موقعين متميزين، استعدادًا لقمة محتملة ذات أهمية عالمية بالغة.

أحد هذين الموقعين كان يقع في الجانب الأوروبي من المدينة، تحديدًا في مكتب العمل الرئاسي الفاخر بجوار قصر دولما بهتشه التاريخي. أما الموقع الآخر، فكان يحتل الجانب الآسيوي، متمثلًا في قصر فهد الدين المهيب، والذي يُستخدم أيضًا كمكتب عمل رئاسي.

كلا الموقعين كانا يخضعان لعمليات ترميم وتجهيز مكثفة، تحضيرًا لمحادثات السلام المرتقبة بين روسيا وأوكرانيا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تم اختيار موقعين مختلفين لهذه المحادثات الحساسة؟

الجواب يكمن في الاحتمالات المتوقعة: ففي حال قرر الرئيس بوتين والرئيس ترامب الحضور شخصيًا، كان من المقرر استقبالهما في قصر فهد الدين الواقع في الجانب الآسيوي. أما إذا لم يحضرا، فستُعقد المحادثات بين وفدي البلدين فقط، كما حدث في جولات سابقة، وذلك في مكتب دولما بهتشه. وبغض النظر عن السيناريو، فقد كان المسؤولون والموظفون يعملون بلا كلل، منهين اللمسات الأخيرة في كلا المكتبين وسط حالة من التأهب القصوى.

تصريح زيلينسكي المباغت

كل هذه الترتيبات بدأت بعد تصريح للرئيس بوتين أعرب فيه عن استعداده لإجراء محادثات سلام مع أوكرانيا في إسطنبول. عقب هذا التصريح، أجرى الرئيس أردوغان اتصالًا بنظيره الروسي، مستفسرًا عما إذا كانت تركيا قادرة على استضافة هذه المحادثات الهامة. وقد أعرب الرئيس أردوغان عن ترحيبه الحار، مؤكدًا استعداد تركيا لاستضافة هذا الحدث. وهكذا، تمامًا كما حدث في عام 2023، تم اختيار إسطنبول مرة أخرى لتكون مسرحًا للقاء يهدف إلى إنهاء الصراع الدائر بين أوكرانيا وروسيا.

في البداية، كان من المتوقع أن تجري المحادثات بين وفدي البلدين فقط. ولكن الرئيس زيلينسكي فاجأ الجميع بتصريح جريء، قائلًا: "سأنتظر الرئيس بوتين في إسطنبول للقاء به". هذا التصريح أثار دهشة واستغراب المسؤولين الأتراك. ولكن المفاجأة الأكبر جاءت من الولايات المتحدة، عندما أعلن الرئيس ترامب: "إذا حضر بوتين إلى تركيا، فسأحضر أنا أيضًا". هذا التصريح قلب الموازين، وحوّل أنظار العالم بأسره نحو إسطنبول.

ومع تزايد احتمالات حضور الرئيس ترامب، بدأ القادة الأوروبيون أيضًا يعربون عن رغبتهم في الحضور. الرئيس الفرنسي ماكرون، المعروف بحرصه على حضور مثل هذه اللقاءات الهامة، بالإضافة إلى رئيسي وزراء بريطانيا وألمانيا، أعلنوا جميعًا أنهم يعتزمون التوجه إلى إسطنبول.

ما هي دواعي تحفظ بوتين؟

في أعقاب تصريحات الرئيس ترامب والقادة الأوروبيين، تسارعت وتيرة التحضيرات في قصر فهد الدين، بالتوازي مع الاستعدادات الجارية في قصر دولما بهتشه. ولكن الرئيس بوتين ظل متمسكًا بموقفه، مصرًا على عدم الحضور. وقد أجرى الرئيس أردوغان اتصالًا شخصيًا بنظيره الروسي، داعيًا إياه للحضور، لكن الرئيس بوتين كان لديه بعض التحفظات العميقة.

خلال المشاورات التي جرت مع القادة الأوروبيين والرئيس ترامب، تم الاتفاق على هدنة مدتها 30 يومًا، وكان الرئيس ترامب يهدف إلى توقيع اتفاقية الهدنة في إسطنبول على مستوى القادة، وبحضوره شخصيًا. لكن الرئيس بوتين كان يرى أن التوقيع على مستوى القادة يجب أن يكون مرتبطًا بسلام دائم وشامل، وهو ما لم يكن الوضع الحالي يسمح به.

بالإضافة إلى ذلك، كان الرئيس بوتين مستاءً من الطريقة التي فرض بها الرئيس زيلينسكي هذا اللقاء بشكل مفاجئ وغير متوقع. ومع ذلك، فإن الرئيس ترامب، الذي أصبح مهووسًا بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، أصر على عقد هذا اللقاء في إسطنبول. وخلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية ومن ثم إلى قطر، استمر في التأكيد على موقفه، قائلًا: "إذا حضر بوتين، فسأحضر إلى إسطنبول". في الواقع، كان الرئيس ترامب يمارس ضغوطًا هائلة على الرئيس بوتين من أجل التوصل إلى سلام دائم، وكان الرئيس بوتين مدركًا تمامًا لهذا الأمر، ولهذا السبب لم يكن راغبًا في الحضور.

هذه المرة، قرر الرئيس ترامب أن يحاول تحقيق هدفه بالاستعانة بأقرب أصدقاء الرئيس بوتين، وهو الرئيس أردوغان. ولكن في صباح الخامس عشر من مايو/أيار، أعلن مسؤولون في موسكو أن الرئيس بوتين لن يحضر إلى إسطنبول، وعلى الفور، أوقف المسؤولون في قصر فهد الدين جميع الاستعدادات المحمومة.

بوتين يتمتع بموقف أقوى، وزيلينسكي يبحث عن مخرج

يدرك الرئيس بوتين تمام الإدراك أنه يتمتع بموقف قوي للغاية في مواجهة الرئيس زيلينسكي، الذي تعرض للإهانة في البيت الأبيض من قبل الرئيس ونائبه. وبينما يتوق الرئيس ترامب إلى تسجيل اسمه في التاريخ باعتباره الشخص الذي أنهى هذه الحرب، ويطمع في الثروات المعدنية الهائلة التي تمتلكها أوكرانيا، يعرف الرئيس بوتين أيضًا أن هذه فرصة ذهبية لا يمكن تفويتها.

على أرض الواقع، وفي ظل تراجع الحماس الأمريكي لتقديم المساعدات العسكرية، وعجز أوروبا – التي تعاني من فراغ في القيادة – عن تقديم الدعم الكافي، لا تزال الكفة تميل بشكل واضح لصالح الرئيس بوتين.

يعلم الرئيس ترامب أنه إذا فرض عقوبات قاسية على الرئيس بوتين وأغضبه، فقد يتجه نحو الصين. ولهذا السبب، فإن الرئيس بوتين لا يتعجل، وسيواصل التمسك بموقفه الثابت والمعروف عنه حتى يحقق جميع أهدافه.

أما الرئيس زيلينسكي، فحتى لو لم يحقق أي نتائج ملموسة من خلال مبادرته المفاجئة، فإنه يحاول جاهدًا إنقاذ الموقف من خلال ظهوره إلى جانب الرئيس أردوغان في أنقرة.

في اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال، كان المئات من الصحفيين يتجمعون في مكتب العمل بقصر دولما بهتشه على ضفة البوسفور الأخرى، بانتظار وصول الوفود، ولكن حالة من الغموض الشديد لا تزال تخيم على الموقف. وبينما رفعت رأسي نحو شاشة التلفاز، نقلت الأخبار العاجلة تصريحًا للرئيس ترامب:

"إذا لزم الأمر، سأحضر إلى إسطنبول يوم الجمعة. لقد قلت لكم، إذا لم أحضر، فلن يأتي بوتين".

كما ترون، فإن الحماس والأمل لا يزالان يترددان في أرجاء البوسفور، على الرغم من كل التحديات والشكوك.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة