أردوغان وترامب- آمال أنقرة وتحديات العلاقات التركية الأمريكية في عهد ترامب الجديد

المؤلف: د. سعيد الحاج08.10.2025
أردوغان وترامب- آمال أنقرة وتحديات العلاقات التركية الأمريكية في عهد ترامب الجديد

استقبلت تركيا بحفاوة بالغة اتصالاً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مهنئًا إياه بالفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وأعرب أردوغان عن تطلعه إلى تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين خلال فترة ولاية ترامب الثانية. ومع ذلك، فإن عودة ترامب إلى البيت الأبيض تتزامن مع تطورات داخلية وإقليمية بالغة الأهمية والحساسية بالنسبة لأنقرة، مما يجعل اتجاهات الرئيس الأميركي الجديد عاملاً حاسمًا في تحديد مسار العديد من الملفات الهامة.

تفاؤل

بعد مرور أيام معدودة على فوزه الساحق، بادر الرئيس التركي بالاتصال بـ دونالد ترامب لتهنئته بالنتائج الباهرة التي حققها في الانتخابات الرئاسية، والتي أعادته إلى سدة الحكم في المكتب البيضاوي. وخلال المكالمة، أعرب أردوغان عن أمله العميق في تحقيق نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين خلال فترة رئاسة ترامب، وكذلك في أن يساهم الرئيس الأميركي في وضع حد للنزاعات الإقليمية والدولية المتفاقمة، في إشارة واضحة إلى الحرب الروسية الأوكرانية المشتعلة، والعدوان "الإسرائيلي" الغاشم على كل من غزة ولبنان.

اقرأ أيضا

list of 2 items
list 1 of 2

ترامب يوقع أمرا تنفيذيا لإلغاء وزارة التعليم

list 2 of 2

"مبعوث يسوع".. هل سيُدخل ترامب أميركا عصر الهيمنة المسيحية؟

end of list

هذا الاتصال المبكر يحمل دلالات عميقة، إذ يشير بوضوح إلى الأهمية القصوى التي يوليها الرئيس أردوغان للعلاقات الشخصية مع الرئيس ترامب من جهة، وإلى التفاؤل الحذر الذي يساوره حيال هذا الفوز، خاصة وأن العلاقات بين أنقرة وواشنطن لم تكن في أفضل حالاتها خلال فترة حكم الرئيس جو بايدن.

وخلال الاتصال المطول، أشاد الرئيس التركي بما وصفه بـ "الشراكة الاستراتيجية النموذجية التي لا تقبل الشك" بين تركيا والولايات المتحدة، كما أثنى على الرئيس المنتخب ترامب الذي "قدم مثالًا ملهمًا في مواجهة الكثير من التحديات والصعاب"، في إشارة ضمنية إلى محاولات الاغتيال التي تعرض لها، والحملة الانتخابية الشرسة، وتحقيق الفوز على منافسته كامالا هاريس.

وكشف أردوغان أنه طلب من ترامب خلال المحادثة الهاتفية وقف الدعم الذي تقدمه بلاده للميليشيات الانفصالية في الشمال السوري، مشيرًا إلى أن ترامب "تحدث بإيجابية بالغة عن تركيا"، وأنه – أي أردوغان – وجه له دعوة رسمية لزيارة أنقرة، معربًا عن أمله في أن يلبّي الرئيس الأميركي المنتخب هذه الدعوة في أقرب فرصة سانحة.

وفي تصريحات لاحقة أدلى بها، عبّر أردوغان عن أمله في أن يتمكن الرئيس الأميركي ترمب من إنهاء حالة الحرب والنزاع في المنطقة، مشيرًا إلى أن "تعليق الدعم العسكري السخي لإسرائيل قد يكون بداية موفقة". كما نقلت عنه وسائل إعلام تركية بارزة قوله إن رئاسة ترامب سيكون لها تأثير بالغ وملموس على التوازنات السياسية والعسكرية الدقيقة في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.

ويأتي فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية في ظل حديث متزايد في الداخل التركي عن احتمال إطلاق عملية تسوية جديدة وشاملة بخصوص المسألة الكردية المعقدة، وتلويح تركي متكرر بشن عملية عسكرية إضافية في الشمال السوري المضطرب، وتطلعات أنقرة المتجددة إلى تطبيع العلاقات المتوترة مع النظام السوري.

كما يأتي في ظل قراءة تركية متعمقة ترى أن العدوان "الإسرائيلي" الوحشي على كل من غزة ولبنان، بما في ذلك الاحتمالات المتزايدة لاندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق، يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي ومصالحها الحيوية. وفي هذا السياق، حذّر أردوغان من "أنهم على بعد ساعتين ونصف منا فقط"، فضلًا عن التهديدات الصارخة التي أطلقها وزير خارجية الاحتلال السابق – وزير الدفاع الحالي – يسرائيل كاتس تجاه أردوغان، ملوحًا له بـ "مصير صدام حسين"، وذلك عقب تلميح الرئيس التركي بإمكانية استخدام القوة مستقبلًا لوقف العدوان "الإسرائيلي" المستمر.

بين بايدن وترامب

يتداول بعض الإعلاميين الأتراك بفكاهة أن العلاقات التركية – الأميركية كانت في عهد ترامب أفضل على المستوى الشخصي بين الرئيسين، ولكنها كانت أسوأ على مستوى المؤسسات الرسمية (وزارتَيْ الخارجية والدفاع والمخابرات)، بينما كانت في عهد بايدن أسوأ على الصعيد الشخصي، ولكنها أفضل على مستوى التواصل بين المؤسسات. وأضيفُ إلى ذلك أنها كانت في كلتا الرئاستين متوترة ومتقلبة، وأحيانًا متأزمة، ولم يكن ثمة اختلاف جوهري في النتائج على معظم الملفات ذات الاهتمام المشترك.

في حالة بايدن، تأخر التواصل الهاتفي بين الرئيسَين، ولم يزر أردوغان البيت الأبيض طوال فترة رئاسة بايدن، حيث أعلن عن تأجيل الزيارة الوحيدة التي كان قد أعلن عنها، وفُهم حينها أنها قد ألغيت تمامًا. وفي عهده، أُخرجت تركيا رسميًا من مشروع مقاتلات "إف- 35" المتطور، الذي كانت جزءًا رئيسًا منه وليست مجرد مشترٍ، كما تلكأت الإدارة الأميركية في تسليم أنقرة مقاتلات "إف-16" الحديثة التي قدمتها كبديل لـ "إف- 35″، ومارست ضغوطًا هائلة على تركيا للموافقة على عضوية السويد وفنلندا في حلف شمال الأطلسي.

وإضافة إلى التوتر المستمر بسبب نظرة بايدن السلبية لأردوغان وتصريحاته السابقة حول ضرورة دعم المعارضة التركية لإسقاطه، فقد تميزت السنة الأخيرة لبايدن بتباين كبير في الموقف من الحرب على غزة، على الرغم من أن واشنطن طلبت من أنقرة لعب دور الوساطة مع حماس لإطلاق سراح الأسرى حاملي الجنسية الأميركية.

في المقابل، كانت هناك علاقات شخصية ممتازة بين أردوغان وترامب، وامتدح الأخير الرئيسَ التركي مرارًا وتكرارًا، وأبدى تفهمًا شاملاً لاضطرار أنقرة لشراء منظومة "إس- 400" الدفاعية الروسية المتطورة، وذلك لأن إدارة أوباما رفضت التعاون معها. وفي إحدى المكالمات الهاتفية بينهما، اتخذ ترامب قرارًا مفاجئًا بسحب قوات بلاده من شمال سوريا بناءً على طلب مباشر من أردوغان، وهو القرار الذي لم ينفذ لاحقًا بسبب اعتراض البنتاغون.

بيدَ أن العلاقات لم تكن دائمًا على ما يرام بين الجانبين، بل شهدت عدة أزمات حادة، في مقدمتها أزمة القسّ أندرو برونسون، حيث هدد ترامب بـ "تدمير الاقتصاد التركي" عبر "تويتر"، وأرسل رسالة بعيدة كل البعد عن اللباقة الدبلوماسية إلى أردوغان.

فضلًا عن أن العقوبات الأميركية على تركيا بدأت في عهد ترامب نفسه، فيما يتعلق بمشروع "إف- 35″، وعلى قطاع الصناعات الدفاعية الحساس، بسبب صفقة "إس- 400" (على الرغم من إبداء التفهم المشار إليه)، إضافة لفرض رسوم جمركية باهظة على واردات الصلب والألمنيوم من تركيا، وعلى شخصيات سياسية ووزراء أتراك بارزين.

التوقعات

يعود ترامب مجددًا إلى البيت الأبيض، ويعود أقوى من ذي قبل، بالنظر إلى النتائج المذهلة في الانتخابات، والأغلبية الساحقة التي يتمتع بها الجمهوريون في الكونغرس، إضافة إلى كونها ولايته الرئاسية الثانية، مما يجعله متحررًا نسبيًا من الحسابات والضغوط السياسية المرتبطة بالانتخابات.

يضفي كل ذلك على توجهاته وسياساته وقراراته قوة ونفوذًا مضاعفين، ويجعل تأثيرها مباشرًا وأكثر فاعلية من السابق، لا سيما في ظل السياقات الإقليمية والدولية المعقدة التي تم ذكرها آنفًا.

ولا شكّ أن أهم ما يشغل بال أنقرة في الوقت الراهن هو الملفّ الكردي الشائك، سواء على الصعيد الداخلي أو في سوريا المجاورة. وعليه، فإن أردوغان سيبذل قصارى جهده لإقناع ترامب بالعودة إلى قرار سحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا، والذي إن تحقق فسيكون له تداعيات جوهرية ومحورية – إيجابًا – على الأمن القومي التركي، لجهة إجهاض مشروع "الدويلة الكردية" أو "الممر الإرهابي"، وكذلك بالتبعية لجهة ملف المصالحة الداخلية.

في المقابل، سيكون لأي توجّه أميركي نحو دعم خيار توسيع نطاق الحرب في المنطقة، كما يتوقع الكثيرون، ضد لبنان و/أو سوريا و/أو إيران، انعكاسات سلبية وخيمة على تركيا اقتصاديًا وإستراتيجيًا. ولذلك، فإن النداء الأول الذي وجهه الرئيس التركي إلى نظيره الأميركي المنتخب، هو السعي الحثيث لوقف هذه الحرب المحتملة كما وعد، ويبقى السؤال المحوري: متى وكيف سيتحقق ذلك؟

وعلى النقيض من ذلك تمامًا، فإن تنفيذ ترامب لوعده الانتخابي بوقف الحرب الروسية – الأوكرانية المدمرة، سينعكس إيجابًا على تركيا التي تضررت منها على عدة مستويات. كما أن نظرته إلى الأمن الأوروبي ودور حلف الناتو تزيد من أهمية تركيا في منظومة الأمن الأوروبية بشكل عام.

وربما يكون الملف الأسرع توقيتًا بالنسبة لأنقرة هو ملفّ التسليح. فستسعى جاهدة لإقناع ترامب ليس فقط بإنفاذ صفقة "إف- 16″، بل كذلك إعادة تركيا إلى مشروع "إف- 35" الطموح، وهو ما يبدو مستبعدًا في المدى القريب بالنظر إلى علاقات ترامب الوثيقة مع "إسرائيل" التي لن ترغب في ذلك إطلاقًا، لا سيما خلال هذه الحرب. بينما سيكون الرهان التركي على جانب "رجل الأعمال" في الرئيس الأميركي الذي يعشق إبرام الصفقات التجارية وتأمين الربح لبلاده.

وقد كان لافتًا للنظر أن تصريحات أردوغان أشارت بالفعل إلى صفقة "إف- 35″، وليس فقط "إف- 16″، باعتبارها مشكلة قائمة بين البلدين، وأنها أتت في سياق حديثه عن تفاؤله بتطوير العلاقات الثنائية بخصوص الصناعات الدفاعية بين البلدين في عهد رئاسة ترامب.

في الخلاصة، هناك ملفات حيوية وهامة للغاية تأمل أنقرة أن تتمكن من تسييرها وتطويرها مع ترامب، نظرًا للتأثير العميق والمباشر لتوجهاته على تركيا. ولكن شخصية ترامب المثيرة للجدل، والمعروفة بتقلب القرارات وتغيير المواقف، لا توحي بثقة كبيرة، بقدر ما هي أمل ورغبة ملحة.

بيدَ أن الأمر المؤكد هو أن أنقرة ستحاول جاهدة تحقيق أقصى استفادة ممكنة من فترة رئاسة ترامب، وتجنب إغضابه أو التعرض لأي أضرار محتملة قد تتسبب بها قراراته المفاجئة.

ولذلك، فهي تتابع عن كثب كيفية تشكيله لأركان إدارته الجديدة، ولا سيما في وزارتَي الخارجية والدفاع، وكيف يمكن توظيف ذلك و/أو التفاعل معه بشكل إيجابي لينعكس على الملفات المذكورة. إذ إن تركيبة الإدارة الأميركية سيكون لها دور كبير في بلورة سياسات ترامب وتنفيذها على أرض الواقع، وفقًا لما تراه أنقرة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة