التدخل العسكري ضد تنظيم الدولة- أهداف إنسانية أم أجندات خفية؟

المؤلف: جاريث إيفانز08.14.2025
التدخل العسكري ضد تنظيم الدولة- أهداف إنسانية أم أجندات خفية؟

لطالما رزح الشرق الأوسط تحت وطأة المفاهيم المغلوطة والتدخلات العسكرية الأجنبية التي خلفت آثاراً عميقة وواسعة النطاق. لذا، يحدونا الأمل بأن لا يكون قرار الرئيس الأميركي آنذاك، باراك أوباما، بشن حرب على تنظيم الدولة الإسلامية مجرد تدخل عسكري عابر آخر، بل بداية لمرحلة جديدة.

لا شك أنّه لا توجد جماعة إرهابية تستحق الإبادة والاستئصال أكثر من هؤلاء الجهاديين المتوحشين الذين يرتكبون جرائم الإبادة الجماعية بدم بارد. ومع ذلك، فإنّ طريقة تصوير المهمة التي تقودها الولايات المتحدة حالياً، والغاية المرجوة منها، لا تزال تثير الشكوك حول إمكانية تحقيق أهدافها بتكلفة معقولة من حيث الوقت والمال والأرواح.

يكمن جوهر المشكلة في أنّ المكاسب التي حققها تنظيم الدولة الإسلامية على أرض الواقع تُرى من زوايا ثلاث متباينة تماماً، الأمر الذي يستدعي ثلاثة أنماط مختلفة من الاستجابات والتدابير العملياتية

يكمن جوهر المشكلة في أنّ المكاسب التي حققها تنظيم الدولة الإسلامية على أرض الواقع تُرى من زوايا ثلاث متباينة تماماً، الأمر الذي يستدعي ثلاثة أنماط مختلفة من الاستجابات والتدابير العملياتية.

الزاوية الأولى تتمثل في المهمة الإنسانية النبيلة لحماية المدنيين الأبرياء في العراق وسوريا من الجرائم الوحشية والمجازر المروعة. أما الزاوية الثانية، فتتمحور حول ضرورة حماية مواطني الدول الأخرى من الإرهاب الذي يمارسه تنظيم الدولة الإسلامية. في حين تتجسد الزاوية الثالثة في الرغبة الملحة في استعادة سلامة أراضي الدول وتحقيق الاستقرار المنشود في المنطقة.

والحقيقة أنّ خطاب أوباما، وخطاب حليفه الأكثر حماسة، رئيس الوزراء الأسترالي آنذاك توني آبوت، كان متردداً بين الهدفين الأولين، مع تلميحات خجولة إلى الهدف الثالث، ممّا أثار الآمال العريضة والتوقعات الطموحة بإمكانية تحقيق الأهداف الثلاثة بفعالية وكفاءة.

ولكن المهمة الإنسانية هي الوحيدة التي تملك فرصة حقيقية لتحقيق الغاية المنشودة من خلال الإستراتيجية الرباعية المطروحة حالياً: توجيه ضربات جوية دقيقة ضد قوات تنظيم الدولة الإسلامية، وتدريب القوات العراقية والكردية وتزويدها بالمعدات والعتاد والمعلومات الاستخباراتية اللازمة، بالإضافة إلى دعم قوات المعارضة السورية غير المتطرفة، وتكثيف الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة إلى المدنيين النازحين.

ومن نافلة القول أنّ العمليات العسكرية التي يقودها الغرب لن تكون كافية بمفردها لإعادة ترسيخ وحدة أراضي العراق أو سوريا، أو لاستعادة الاستقرار الإقليمي على نطاق أوسع. قد يساعد التدخل العسكري في منع المزيد من تفكك العراق واحتواء انتشار سرطان تنظيم الدولة الإسلامية إلى دول أخرى مثل الأردن.

ولكن إذا كانت القوات الأميركية الجرارة، التي بلغ قوامها 150 ألف جندي، لم تتمكن من تحقيق الاستقرار في العراق في غياب حكومة شاملة تتمتع بالكفاءة والقدرة اللازمة، فإنّ التدابير المحدودة المعروضة حالياً لن تكون كافية ببساطة. لا بد أن نكون قد استوعبنا الآن أنّ أي تدخل عسكري غربي يحمل أهدافاً سياسية صريحة، بدلاً من أهداف إنسانية واضحة، يشكل خطراً حقيقياً بتأجيج المشاعر الطائفية وإذكاء نار الفتنة.

قد تختلف الأمور إذا تمكنت الولايات المتحدة وغيرها من اللاعبين الرئيسيين من البدء في الوقت نفسه في تنفيذ مشروع إقليمي واسع النطاق لتحقيق الاستقرار في المنطقة، ولكن هناك الكثير من الأجندات المتضاربة والمتنافسة التي تحول دون جعل هذا الهدف واقعياً في المستقبل المنظور.

إنّ كسب القلوب والعقول يكتسي أهمية بالغة في مكافحة الإرهاب، ويصبح هذا الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً كلما شرعت الولايات المتحدة والدول المؤيدة لها في عمل عسكري ينتهك القانون الدولي بوضوح

إنّ التنافس المحتدم بين السُنّة والشيعة يعني أنّ المملكة العربية السعودية ودول الخليج لن تسمح لإيران بلعب أي دور ذي مغزى في المنطقة. كما أنّ الغرب لن يعترف بأهمية إيران في تنفيذ أي عملية متعددة الأطراف، خشية خسارة النفوذ التفاوضي في ما يتعلق ببرنامج إيران النووي.

والواقع أنّ قلة قليلة مستعدة لتقبل حقيقة مفادها أنّ الرئيس السوري بشار الأسد، على الرغم من سجله المروع، يكاد يكون من المؤكد الآن أنه أصبح جزءاً من الحل. ولا شك أنّ الجرح المفتوح المتمثل في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يلعب دوراً كبيراً في كل هذه الخصومات.

إنّ هدف مكافحة الإرهاب أكثر معقولية بطبيعته من هدف تحقيق الاستقرار السياسي. وربما تتطلب السياسات المحلية في الولايات المتحدة وأستراليا وغيرها من دول العالم الاهتمام الذي تتلقاه من زعماء الغرب. وبقدر ما قد يكون من الممكن تدمير الأرض التي تسمح للإرهابيين بالتكاثر والانتشار، كما كان الحال مع تنظيم القاعدة في أفغانستان، فإنّ عدد الإرهابيين الجدد الذين نخشى ظهورهم سيكون أقل.

ولكن من الصعب التصديق أنّ حملة عسكرية من النوع المتصور حالياً، حتى بدعم كبير من الدول العربية، يمكن أن تحقق هذا الهدف في أي وقت قريب، أو بتكلفة معقولة، سواء في العراق أو في الملاذات الآمنة لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. لا بد من تحمل العبء الحقيقي الآن من خلال التعاون الدولي الفعال في المجالات الاستخباراتية والأمنية والشرطية.

إنّ بناء كفاءة القوات البرية العراقية والكردية، التي تشكل أهمية حاسمة في استعادة الأرض والحفاظ عليها، سيستغرق وقتاً طويلاً. وقد يتعذر تحقيق الغاية نفسها مع ما تسمى القوات المعتدلة داخل سوريا. وتفرض الغارات الجوية في أي مكان وقوع الضحايا بين المدنيين، وبالتالي إمكانية تأجيج المشاعر نفسها التي نسعى إلى مواجهتها.

وعلاوة على ذلك، فإنّ شن غارات جوية على سوريا من دون الحصول على موافقة الحكومة السورية أو تفويض من مجلس الأمن يشكل انتهاكاً واضحاً لميثاق الأمم المتحدة. والواقع أنّ احتمال شن هجمات إرهابية مستلهمة من تنظيم الدولة الإسلامية في الولايات المتحدة ليس حقيقياً أو وشيكاً بالقدر الكافي لتبرير الاعتماد على استثناء الدفاع عن النفس.

إنّ كسب القلوب والعقول يكتسي أهمية بالغة في مكافحة الإرهاب، ويصبح هذا الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً كلما شرعت الولايات المتحدة والدول المؤيدة لها في عمل عسكري ينتهك القانون الدولي بوضوح. وحتى الآن، تشهد المحاولات البطيئة لإقناع وإشراك الدول العربية في حملة أوباما على التوتر الذي يشعر به العديد منها استناداً إلى كل هذه الأسباب.

إذا ضل الغرب وانحرف عن الهدف الرئيسي في حملته ضد تنظيم الدولة، فمن المرجح أن ينتهي هذا المشروع إلى مآسٍ وخيبات أمل، تماماً كما حدث في العديد من المغامرات السابقة في الشرق الأوسط

وإلى حد كبير، يعد المنطق الأكثر إقناعاً لتبرير العمل العسكري، وكان كذلك منذ البداية، هو الهدف الإنساني: المسؤولية عن حماية السكان المعرضين لخطر الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وغير ذلك من الجرائم الكبرى ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وقد أكدت من قبل أنّ كل الشروط الضرورية في هذا السياق مستوفاة، وسوف تستمر هذه الحال ما دام تنظيم الدولة الإسلامية محافظاً على طريقته الوحشية في العمل.

ومن الواضح أنّ الولايات المتحدة وقوات التحالف يصبح لديها الحق، بالعمل ضمن هذا الإطار، في تعطيل وإفساد قدرات تنظيم الدولة الإسلامية والسعي إلى تدميرها على النحو الذي يخدم أيضاً هدف مكافحة الإرهاب. ولكن الهدف الأساسي للتدخل سيظل إنسانياً بشكل لا يقبل اللبس، وبهذا يصبح أقل عرضة لردود الفعل السلبية المناهضة للغرب مقارنة بأي مهمة أخرى. بل وقد نشهد حتى بعض التسامح الدولي مع عمل واضح المعالم ومحدود في سوريا في حالة وجود تهديد إنساني وشيك وواضح.

وإذا تم تعريف الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية وإدارتها باعتبار الحماية الإنسانية هدفها الرئيسي، فلا بد أن تصادف النجاح ليس فقط في منع المزيد من الفظائع والأعمال الوحشية، بل وأيضاً في تحقيق نجاحات كبيرة في الحد من خطورة التهديد الإرهابي الأوسع في منبعه.

وإذا ضل الغرب وانحرف عن هذا الهدف الرئيسي، فمن المرجح أن ينتهي هذا المشروع إلى مآسٍ وخيبات أمل، تماماً كما حدث في العديد من المغامرات السابقة في الشرق الأوسط.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة