الحروب الإسرائيلية- تكلفة باهظة على الاقتصاد والمجتمع

المؤلف: حلمي مُوسى08.09.2025
الحروب الإسرائيلية- تكلفة باهظة على الاقتصاد والمجتمع

منذ تأسيسها قبل قرابة سبعة وسبعين عامًا، وإسرائيل منخرطة في سلسلة طويلة من الحروب والنزاعات المتواصلة، سواء داخل حدود فلسطين أو مع دول الجوار العربية، وحتى في مناطق أبعد. لقد تميزت الحروب التي شهدتها العقود الخمسة الأولى بأنها غالباً ما كانت تدور رحاها خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما جعل الخسائر البشرية والاقتصادية تقتصر بشكل أساسي على الإنفاق العسكري، والذي كانت تتم تغطية جزء منه من خلال المكاسب والغنائم.

وإذا استثنينا حرب عام 1948، فقد اتسمت تلك الحروب بقصر مدتها ومحدودية نطاقها، وبالتالي لم تخلف آثارًا اقتصادية واجتماعية جسيمة، على عكس ما نشهده في الحروب والصراعات الأخيرة.

والحقيقة الماثلة للعيان هي أن الحروب الأكثر استنزافًا، والتي تلت حرب عام 1973، قد اندلعت في أعقاب توقيع اتفاقيات سلام مع مصر أولًا، ثم مع الأردن لاحقًا، وأخيرًا اتفاقيات أبراهام. وعلى الرغم من أن هذه الحروب لم تكن شاملة مع كافة الدول العربية، بل كانت محصورة وجزئية، إلا أنها اتسمت بطول أمدها وضراوتها الشديدة، خاصة وأنها بدأت تطال العمق الإسرائيلي، ولم تعد مقتصرة على خطوط الجبهة الأمامية.

وقد أدخل هذا النمط المستجد من الحروب – بدءًا من حرب لبنان الأولى، مرورًا بالانتفاضة الفلسطينية الأولى، وحرب لبنان الثانية، ثم الحروب المتتالية مع قطاع غزة، وصولًا إلى عملية "طوفان الأقصى" – الجبهة الداخلية الإسرائيلية إلى قلب المعركة، وجعلها في دائرة الاستهداف المباشر. ومن الطبيعي أن تترتب على ذلك تداعيات اقتصادية واجتماعية استثنائية على الاقتصاد الإسرائيلي، الذي بات نموذجًا للاقتصاد الغربي المتكامل.

تكلفة باهظة

تجدر الإشارة في البداية إلى أنه مع بلوغ الحرب إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية، بات من المسلّم به أن التكلفة الاقتصادية لكل يوم قتال في هذه الجبهة تفوق تلك التي تتكبدها الجبهة الحدودية نفسها.

ويقدر خبراء اقتصاديون إسرائيليون منذ سنوات، وفي ظل ظروف أقل حدة من الحرب الحالية، أن الأضرار التي تلحق بالاقتصاد جراء استمرار القتال ليوم واحد تقدر بنحو نصف مليار شيكل على الأقل.

وهذا يعني أن التكلفة المباشرة للحرب تتجاوز بأربعة أضعاف التكلفة العسكرية المعلنة، وذلك بسبب إغلاق المصانع وتعطيل الإنتاج، وبقاء العمال في منازلهم، وغير ذلك من الخسائر.

ووفقًا لما نشرته صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية، فقد تصدر بند الإنفاق على الأفراد وقوات الاحتياط قائمة النفقات خلال الحرب، حتى إعلان الهدنة في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث بلغت المدة الإجمالية لخدمة هذه القوات 49 مليون يوم.

إلا أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ فاستعادة الشعور بالأمن والاستقرار يتطلب وجودًا عسكريًا مكثفًا على طول الحدود، وبالتالي، وفي ظل غياب حل جذري لمشكلة التجنيد، ستظل قوات الاحتياط تتحمل العبء الأكبر من هذه المهمة. وأشارت الصحيفة إلى أن نحو 840 جنديًا قد لقوا حتفهم، وأصيب حوالي 14 ألف جندي آخر منذ بداية حرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، أي بمعدل ألف جريح جديد كل شهر.

في مستهل الحرب، تم استدعاء ما يقرب من 220 ألف جندي احتياطي، والذين تم استدعاؤهم بشكل متكرر للخدمة الممتدة في ثلاث أو أربع دورات، حيث قضوا ما يقرب من 49 مليون يوم احتياطي، مقارنة بنحو 2.5 مليون يوم احتياطي في متوسط عام قبل اندلاع الحرب. ويحمل هذا العدد الكبير آثارًا اقتصادية جسيمة وبعيدة المدى على مختلف القطاعات.

ونقلت "كالكاليست" عن تقديرات أولية صدرت مؤخرًا داخل المؤسسة الأمنية، تفيد بأن تكلفة الحرب في العام الماضي قد بلغت 150 مليار شيكل، منها حوالي 44 مليار شيكل مخصصة لدفع رواتب جنود الاحتياط ونفقات الأفراد.

ويمثل هذا البند أعلى نسبة إنفاق في الحرب، متجاوزًا حتى الإنفاق على الأسلحة وتشغيل المنصات العسكرية كالطائرات المقاتلة. ويبلغ الحد الأدنى الشهري الذي يخصصه جيش الدفاع الإسرائيلي لكل جندي احتياطي حوالي 15 ألف شيكل، وهو المبلغ الذي يشمل المنح والمكافآت. واليوم، انخفض عدد جنود الاحتياط الفعليين بشكل ملحوظ، مقارنة بأعدادهم القصوى في بداية الحرب، ويصل الآن إلى حوالي ربع ذلك العدد.

ومن المتوقع أن يستقر عند مستوى مماثل في وقت لاحق من هذا العام، شريطة عدم حدوث تصعيد جديد في الشمال أو الجنوب. وتجدر الإشارة إلى أن متوسط عدد جنود الاحتياط في العام الذي سبق الحرب كان يقتصر على حوالي 7000 جندي فقط.

وبالإضافة إلى نفقات الأفراد، يعتبر صاروخ "حيتس 3" الذي تنتجه شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية أحد أغلى الأسلحة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي حتى الآن في الحرب. ويقدر سعر الصاروخ الواحد من هذا النوع بما يتراوح بين 2 إلى 3 ملايين دولار، وقد تم استخدامه على نطاق واسع خلال هذه الحرب لاعتراض الصواريخ الباليستية التي أطلقتها إيران باتجاه إسرائيل في شهري أبريل/ نيسان وأكتوبر/ تشرين الأول، وكذلك لاعتراض الصواريخ التي يطلقها الحوثيون من اليمن.

تزايد التكلفة

في الوقت الراهن، وبعد أن أصدر رئيس الأركان إيال زامير أوامر استدعاء لعشرات الآلاف من الجنود بهدف توسيع نطاق الحرب على غزة، تصاعد الحديث ليس فقط عن التداعيات السياسية والاجتماعية، بل كذلك عن التكلفة الاقتصادية المتزايدة.

ووفقًا لتقديرات أولية نشرتها صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية، فإن تكلفة توسيع العملية العسكرية في غزة لمدة ثلاثة أشهر فقط تقدر بنحو 25 مليار شيكل، أي ما يقارب 7 مليارات دولار. ويتضمن هذا المبلغ التكلفة العسكرية المباشرة، أي أكثر من ملياري دولار شهريًا، وذلك لتمويل جنود الاحتياط وتكاليف الذخائر.

ومن الناحية الاقتصادية، فإن حكومة نتنياهو مجبرة على إعادة النظر في الميزانية التي تم إقرارها بصعوبة قبل بضعة أسابيع، وزيادة الإنفاق الحكومي فيها. ويعني هذا بشكل أساسي الاضطرار إلى فرض ضرائب جديدة، وزيادة الأعباء الثقيلة أصلًا على كاهل المواطنين الإسرائيليين. وبالطبع، يشتمل هذا التقدير على تحذير من مغبة مواصلة احتلال غزة وإدارة حياة السكان فيها، لأن ذلك يلقي أيضًا عبئًا إضافيًا على الاقتصاد الإسرائيلي، يقدر بعشرات المليارات من الشواكل.

وغني عن البيان أن كل هذه الأرقام لا يمكن فهمها بمعزل عن حقيقة الميزانية المخصصة لوزارة الحرب للعام 2025، والتي تم بناؤها على أساس النفقات النقدية لوزارة الحرب في العام 2024، والتي بلغت 152 مليار شيكل (حوالي 40 مليار دولار). وقد أقرت الميزانية العامة للجيش نفقات في العام الجاري تبلغ 138 مليار شيكل، أي ما يقارب 35 مليار دولار.

ولكن في حال تم توسيع نطاق الحرب بالفعل، فإن الميزانية المتوقعة للجيش سوف تتجاوز 160 مليار شيكل، أي ما يفوق بأكثر من ملياري دولار النفقات العسكرية للعام 2024.

وكان وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، قد صرح لوسائل الإعلام بعد المصادقة على الميزانية بأن "هذه الميزانية ستوفر للجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية جميع الموارد اللازمة لهزيمة العدو، مع الاهتمام برجال الاحتياط، وأصحاب المصالح التجارية، وإعادة إعمار الشمال والجنوب، وتحقيق النمو الاقتصادي في دولة إسرائيل". كما نشر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مقطع فيديو مع سموتريتش، أكد فيه أن الميزانية ستسمح بـ "استكمال النصر الكبير الذي نقف على أعتابه".

ووفقًا لصحيفة "ذي ماركر"، فقد تبين الآن أن الحكومة صادقت على الميزانية من جهة، وفي الوقت نفسه تمضي قدمًا في خطة تفرغ من المضمون أي معنى لوضع إطار للميزانية. وأوضحت الصحيفة أن هناك أسبابًا محتملة لذلك، إما أن الحكومة كانت تدرك أن الميزانية التي تضعها خالية من المضمون، ومع ذلك قدمت بسوء نية ميزانية غير ذات صلة لمصادقة الكنيست عليها، أو أنها أهملت ولم تستعد لسيناريوهات أخرى عند صياغة الميزانية.

وأضافت "ذي ماركر" أنه إلى جانب النفقات المباشرة لتوسيع الحرب واحتلال منطقة لفترة طويلة وتصاعد حدة القتال، هناك أيضًا تأثير اقتصادي غير مباشر. فالتجنيد الواسع لقوات الاحتياط يضر بسوق العمل، ويقلص المعروض من العمالة في الاقتصاد، ويبطئ النشاط الاقتصادي بوجه عام.

علاوة على ذلك، فإن استمرار القتال لفترة غير محددة يزيد من المخاطر الاستثمارية في إسرائيل، ويضر بالشيكل، ويرفع من قيمة المال. كما أن ارتفاع النفقات الأمنية يقلص الإنفاق الحكومي البديل على الاستثمارات المدنية وتطوير البنى التحتية.

تكلفة الاحتياط

كشف المستشار الاقتصادي السابق لرئيس الأركان، العميد احتياط مهران بروزينفر، في مقابلة مع إذاعة 103FM، عن الثمن الباهظ لأوامر الاستدعاء الجماعية للخدمة الاحتياطية التي تم إرسالها في الأيام الأخيرة، وقال: "بالنسبة للعاملين المستقلين، ستكون هذه كارثة اقتصادية بكل المقاييس".

وأوضح في البداية أنه يجب علينا أن ندرك أن جيش الاحتياط هو الركيزة الأساسية للجيش الإسرائيلي. وأضاف: "صحيح أن هناك جيشًا نظاميًا، لكننا في النهاية نعتمد بشكل جوهري على جيش الاحتياط. ومن ناحية أخرى، لم نشهد حربًا استمرت كل هذه المدة، ومثل هذا العبء الثقيل على جنود الاحتياط".

وتابع قائلًا: "إننا نرى أيضًا أننا في النهاية ننحصر في شريحة صغيرة نسبيًا من السكان، ليس فقط في سياق الاحتياطيات، ولكن أيضًا بشكل أساسي في سياق القتال. وهذا يعني أن القتال محصور أكثر في نطاق قوة الاحتياط بأكملها، وهذا ما يزيد الأمر صعوبة. علاوة على ذلك، فإن التكاليف الاقتصادية المترتبة على ذلك هائلة بكل المقاييس".

وشرح بروزينفر التداعيات الاقتصادية المترتبة على التجنيد المكثف قائلًا: "عند تجنيد جندي احتياطي، لنفترض أن التكلفة النقدية المباشرة للجندي الواحد تبلغ ألف شيكل يوميًا. وإذا استدعينا 60 ألف جندي احتياطي، فإن المبلغ الإجمالي سيصل إلى 60 مليون شيكل في ذلك اليوم وحده".

ولكن هذه ليست التكلفة الوحيدة، فهناك تكاليف إضافية أخرى. وهي كل ما يتعلق بتكاليف الغطاء مثل الذخيرة والتدريب وجميع الخدمات اللوجيستية المحيطة بها، وهي تكاليف باهظة جدًا. بالإضافة إلى ذلك، هناك تكلفة اقتصادية إضافية، والأمر الأسوأ من ذلك كله هو فقدان المنتج، وهذا أمر بالغ الخطورة. فنحن في اقتصاد يعمل بكامل طاقته. وعندما تسحب عمالًا من اقتصاد يعمل بكامل طاقته، فإنك تلحق ضررًا بالغًا بالاقتصاد. وكلما طال أمد هذا الوضع، ستتفاقم التكلفة وتزداد حدة.

واستطرد قائلًا: "إذا افترضنا أن التكلفة المباشرة لرواتب الاحتياط تبلغ 60 مليون شيكل، فإن التكلفة المباشرة الإجمالية ستبلغ حوالي 100 مليون شيكل، وإذا استمر هذا الوضع لفترة أطول، فقد تصل التكلفة خلال شهر واحد إلى 300 أو 400 مليون شيكل، بكل بساطة".

كما أكد على التأثير الشديد على الشركات الصغيرة قائلًا: "أصحاب الأعمال الحرة – قد تكون هذه كارثة حقيقية بالنسبة لهم. لأنه إذا كان لديك مشروع صغير، وكان يعتمد عليك بشكل أساسي، ثم تم إخراجك من العمل لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر، فهذا لا يعني أنك ستخسر فقط أرباح الشهرين أو الثلاثة أشهر، بل قد تخسر العمل بأكمله بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وقد تدخل في دوامة من الخسائر لن تتمكن من الخروج منها لاحقًا".

وأضاف قائلًا: "في كثير من الأحيان ننخرط في أمر ما دون أن ننفذ هذه العمليات بالأسلوب الصحيح". إلا أننا الآن في مرحلة حرجة. لقد مرّ عامان تقريبًا على هذه الحرب، وقد حان الوقت لوضع حد لها. أنا لا أتحدث عن الطريقة المثلى لإنهاء هذه الحرب، ولكن علينا أن ندرك أنه لا يمكننا خوض حملة طويلة أخرى، لأن هذا الأمر يحمل في طياته تكاليف باهظة. وبالمناسبة، لم نتحدث عن الخسائر النفسية، ولا عن الأضرار النفسية الناجمة عن هذه الحرب. وعلينا أن ندرك أن ما حدث لجنود جيش الدفاع الإسرائيلي الذين سقطوا أو جرحوا أمر مروع حقًا. وباختصار، يجب أن نكون حاسمين للغاية، وأن نحدد وجهتنا بوضوح، وأن ننهي هذه الحرب بسرعة".

وليس من قبيل المصادفة أن ينشر بنك إسرائيل تقديرات متشائمة للاقتصاد الإسرائيلي في العامين المقبلين، سواء على صعيد الناتج القومي العام أو على صعيد نسبة النمو. ولكن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو الخسارة الناجمة عن تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية؛ بسبب حالة عدم الاستقرار الأمني التي تشهدها المنطقة. وترى صحيفة "غلوبس" أن هذه الحرب قد تكبد إسرائيل خسائر اقتصادية تعادل ضياع عقد كامل من التنمية والازدهار.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة