الحوار الوطني السوري- رؤية لتأسيس نظام دولة جديد

المؤلف: عبد الرحمن الحاج09.18.2025
الحوار الوطني السوري- رؤية لتأسيس نظام دولة جديد

منذ نحو ثلاثة أرباع القرن، لم تشهد سوريا أي مبادرات حوارية أو تفاوضية شاملة تجمع أطرافًا متنوعة من الشعب السوري، بهدف تأسيس نظام حكم وطني مستقر. يعود آخر دستور شرعي للبلاد إلى عام 1950، وهو الدستور الثالث في تاريخ الدولة. سبق هذا الدستور دستور عام 1930 الذي صيغ في ظل الانتداب الفرنسي، ودستور عام 1920 الذي انبثق عن المؤتمر السوري العام. ويُعد هذا المؤتمر الوطني الثاني الذي يقيمه السوريون منذ أكثر من مئة عام، حيث انعقد المؤتمر الأول في مايو/ أيار 1919، وكان يهدف إلى إنشاء مجلس تمثيلي للأمة السورية، وأجريت انتخابات وفقًا للنظام الذي كان سائدًا في الدولة العثمانية، وشمل المؤتمر 85 عضوًا، بالإضافة إلى 35 من شيوخ العشائر والطوائف.

لقد تبنى المؤتمر السوري العام دور المجلس النيابي والتأسيسي معًا، فقام بصياغة دستور عام 1920، وأعلن استقلال البلاد وتأسيس المملكة السورية. وجاء ذلك في ظل ظروف استثنائية بالغة الصعوبة، حيث كانت الدولة العثمانية تشهد انهيارًا متسارعًا، بينما كانت الدول الاستعمارية تسعى جاهدة لتقاسم النفوذ في المنطقة، وكما هو الحال اليوم، يواجه السوريون تحديات جمة، وإن كانت ذات طبيعة مختلفة، وهم يستعدون لخوض حوار جديد من أجل إعادة بناء النظام السياسي للدولة، وذلك بعد حقبة عصيبة شهدت ثورة استمرت لأكثر من أربعة عشر عامًا، وأطاحت بالحكم الدكتاتوري عسكريًا بعد أن ألحقت دمارًا واسعًا بالبلاد.

وفي خطوة تعكس متطلبات المرحلة الانتقالية، كلفت القيادة العسكرية القائد أحمد الشرع برئاسة الجمهورية، استنادًا إلى الشرعية الثورية. وقد حظي هذا الإجراء بقبول واسع النطاق، باعتباره ضرورة ملحة تفرضها حالة الفراغ القانوني. وجد السوريون أنفسهم مرة أخرى أمام لحظة تاريخية شبيهة بتأسيس الدولة ذاتها، ولكنهم هذه المرة يواجهون تحدي تأسيس نظام الدولة.

وسعياً إلى تمكين الشعب السوري من المشاركة الفعالة في تأسيس نظام الدولة، أصدر الرئيس الشرع في 11 فبراير/ شباط 2025 قرارًا بتشكيل "لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني"، وتضم اللجنة سبعة أعضاء، من بينهم سيدتان، وقد فوضت اللجنة بوضع نظام داخلي لعملها، ووضع معايير لاختيار أعضاء المؤتمر، وينتهي عملها بإصدار البيان الختامي للمؤتمر.

صيغة المؤتمر

إن قرار تشكيل اللجنة التحضيرية يمثل حجر الزاوية في فهم رؤية السلطة الحالية لدور هذه اللجنة في مسار الحوار الوطني. فالقرار لا يتضمن قيودًا تحدد أهداف اللجنة، أو جدول أعمالها، أو إطارها الزمني، أو مدى إلزامية المخرجات التي سيسفر عنها الحوار الذي ستقوده، أو حدود التفويض الممنوح للحوار الوطني في القضايا التي ستطرح للنقاش. ويتفق هذا الإطار المرن والمتسع الأطراف مع التوجهات التي يتبناها العديد من الباحثين حول دور الحوار الوطني في الانتقال السياسي وآلية عمله، الأمر الذي يوحي بأن القرار اتُخذ بعد دراسة متأنية ومشاورات مستفيضة والاستناد إلى الخبرات البحثية.

ومن الأهمية بمكان التنويه بأن المؤتمر المزمع عقده هو "مؤتمر حوار وطني" وليس "مؤتمرًا وطنيًا"، والفرق بين الصيغتين يكمن في الأهداف والتشكيلة. فبينما يهدف المؤتمر الوطني إلى التمثيل الفعلي للقوى السياسية والاجتماعية بهدف إصدار قرارات ملزمة، أو رسم سياسات عامة للبلاد، يسعى مؤتمر الحوار الوطني إلى ترميم الشرعية للسلطات الجديدة التي تتشكل بعد النزاعات، وخاصة بعد الثورات.

وفي حين يتم اختيار أعضاء المؤتمر الوطني غالبًا من خلال الانتخابات أو التوافقات بين القوى السياسية، يتم تعيين المشاركين في الحوار الوطني، ولا توجد صيغ ثابتة أو معايير صارمة لاختيارهم. توجد العديد من التجارب العالمية التي لا يتجاوز عمرها العقود الثلاثة، ويمكن الاستئناس بها، لكن الأساس في الحوار يكمن في تحقيق أوسع مشاركة ممكنة للمجتمع في تحديد مستقبل البلاد، وهذا ما يجعل نتائجه ملزمة للسلطة، على الأقل فيما يتعلق بالقضايا التي تحظى بتوافق وإجماع وطني، لأن تجاهل هذه النتائج سيؤدي إلى تآكل الشرعية التي يسعى المؤتمر أساسًا إلى تعزيزها وترميمها.

اختيار الأعضاء

في أعقاب انتصار الثورات وسقوط الأنظمة، يظهر توجه ملحوظ ومتزايد نحو المشاركة في الهياكل السياسية. هذه الاندفاعة التي نشهدها في سوريا حاليًا تفرض ضغوطًا إضافية على اللجنة التحضيرية، وتزيد من صعوبة وضع قواعد مناسبة ومقبولة للاختيار، خاصة وأن الاختيار هنا ليس تمثيليًا بالمعنى التقليدي للكلمة، ولا توجد معايير راسخة في هذا المجال.

لا توجد سوى تجارب عديدة في العقود الثلاثة الأخيرة، ولكل منها طريقتها الخاصة، لكن المبدأ الأساسي هو أن تحقيق هدف الحوار يتطلب أوسع مشاركة ممكنة فيه، وكلما قل عدد المشاركين في الحوار، ضعف تأثيره في ترميم شرعية السلطة الجديدة القادمة عبر الشرعية الثورية.

تتعدد المقترحات بشأن عدد الأعضاء المشاركين في المؤتمر الوطني، فهناك اقتراح يعتمد القاعدة المتبعة في الانتخابات البرلمانية، حيث يكون هناك ممثل عن كل مئة ألف نسمة، مما يعني أن عدد أعضاء المؤتمر يجب ألا يتجاوز المائتين وخمسين عضوًا. إن إدارة حوار بمثل هذا العدد ممكنة، لكن بما أن الاختيار يتم عن طريق التعيين وليس الانتخاب، فإن ذلك سيضعف من قيمة نتائج الحوار، وسيبقى الشك قائمًا حول إمكانية تحكم السلطة القائمة في النتائج من خلال التعيينات.

طُرح اقتراح آخر بزيادة العدد إلى ألف ومائتي عضو، ولكن هذا الرقم يواجه صعوبة حقيقية في إدارة الحوار والوصول إلى نتائج ملموسة، إذ من الصعب تصور إدارة حوار يضم هذا العدد الكبير من الأشخاص، إلا إذا تم استخدام تقنيات تكنولوجية متطورة لتسهيل التعبير عن الرأي، أو تم تقسيم الحوار إلى ورش عمل متزامنة.

يمثل موضوع عدد المشاركين في المؤتمر تحديًا آخر، إلا أنه ذو طبيعة تقنية مقارنة بالتحدي الأهم وهو معايير اختيار الأعضاء. فالتحدي الرئيسي الذي يواجه اللجنة هو تحديد ما إذا كان الاختيار سيتم على أساس الدوائر الانتخابية التي تقوم على أساس جغرافي، أم على أساس قوى المجتمع السوري المدنية وعلى رأسها النقابات والروابط المهنية والأحزاب والتيارات السياسية، أم على مزيج بينهما؟

تشير التصريحات الرسمية المتكررة إلى التمثيل الفردي، أي أن العضو في المؤتمر يمثل نفسه بصفته الشخصية. والواقع أن التمثيل الفردي يقلل من الطعن في شرعية المشاركين، لأنهم يشاركون بالنيابة عن أنفسهم، إلا أن هذا أيضًا يقلل من مدى تمثيل آراء المجتمع في الحوار. ومع ذلك، يمكن تجاوز هذه العقبة من خلال اختيار يقوم على مبدأ "من" الجهة أو الشريحة وليس "عنها"، أي أن يأخذ بالاعتبار الانتماءات السياسية والمجتمع المدني والوجهاء المحليين والزعماء الدينيين والتكوينات العرقية والدينية، وشرائح المجتمع المختلفة، وقد أشار المتحدث باسم اللجنة التحضيرية إلى هذا الاعتبار.

وحيث إن اختيار اللجنة يقوم على أساس جغرافي، كما توحي بذلك تصريحات صحفية عدة للجنة، والتي أشارت إلى أن الحوار سيعقد في مختلف المناطق السورية، فالواقع أن هذه خطوة مهمة، لأنها تعزز أهداف الحوار، إلا أنها لكي تكون كذلك يجب أن تكون معلنة للجمهور، كما أنها ستمثل آلية معقولة لاختيار العضوية لجلسات حوارية يشارك فيها كل السوريين.

ويتطلب نجاح الحوارات المحلية تحديد أهدافها مسبقًا على نحو واضح لدى اللجنة التحضيرية، والتي من المناسب في هذه الحالة أن تتمثل في الحصول على مقترحات وأفكار حول الموضوعات الرئيسية التي يجب أن يناقشها المؤتمر والتوجهات الرئيسية، والوصول إلى قائمة بالشخصيات الأكثر كفاءة وخبرة، والتي تعبر عن مصالح المجتمع وتطلعاته، فالحوارات وتحديد المصالح تحتاج شخصيات نوعية، وليس مجرد انتماء للمجتمع وتكويناته.

قد يكون تحديد عدد أعضاء المؤتمر الجامع للسوريين في دمشق بألف ومائتي عضو ملائمًا حسب النتائج المتوقعة منه، لكنه بالتأكيد رقم كبير للوصول إلى نتائج تفصيلية أكثر وشاملة، لأنه من الصعب ضبط الحوار والوصول لنتائج، فكلما كبرت أعداد المشاركين ضعفت القدرة على ضبط الحوار والوصول إلى نتائج ملموسة.

لهذا يبدو من الضروري تحديد هدف المشاركين في مؤتمر بهذا الحجم، بألا يتجاوز مخرجات كثيرة، أهمها التوافق على بنود إعلان دستوري، وتشكيل هيئة تأسيسية، وهيئة تشريعية. وتشكيل الهيئة التأسيسية يجب أن يكون منطقيًا ويضمن حوارًا منتجًا، ويعبر عن مصالح وتطلعات السوريين، ويمكن أن تتألف من مئة وعشرة أعضاء، أي عضو واحد من كل عشرة أعضاء في مؤتمر الحوار الوطني.

تكمن مهمة الهيئة التأسيسية في صياغة دستور جديد، إذ توضع خلاصة الحوارات الإقليمية بين يديها، بحيث يمكنها التفاوض والتوصل إلى تفاهمات عملية بين أطراف المجتمع. ولكن يمكن للهيئة التأسيسية أن تكون هيئة تشريعية برلمانية مؤقتة على غرار المؤتمر السوري العام عندما أعلن الدستور، وتحول إلى برلمان في أبريل/ نيسان 1920.

هذا ممكن بالطبع، وبالنظر إلى العدد الكبير لأعضاء المؤتمر، فإن الانتخابات هي الوسيلة الوحيدة للوصول لتشكيل اللجنة، وبالتالي يفترض أن تُصمم الانتخابات بحيث تقود إلى تمثيل مكونات المجتمع والمناطق بشكل متوازن.

المحاصصة المنبوذة

غالبًا ما يُنظر إلى المجتمعات العربية والشرق أوسطية من خلال عدسة مكوناتها العرقية والإثنية، على أنها مجتمعات غارقة في صراعات وحروب أهلية لا تنتهي منذ قرون. وبناء على هذا التصور، فإن معظم الحلول المقترحة للمنطقة تتمحور حول أنظمة سياسية قائمة على المحاصصات الدينية والعرقية.

إن مبدأ المحاصصات لم يتم العمل به في تاريخ سوريا منذ تأسيس الدولة، لأنه يقوض أسس المواطنة ويؤسس لنظام حكم يعاني من أوجه قصور ذاتية. وينظر السوريون اليوم إلى التجربتين اللبنانية والعراقية باعتبارهما دروسًا يجب استخلاص العبر منها وعدم تكرارها.

لهذا السبب، يسود في سوريا اتجاه عام يرفض المحاصصة كأساس لنظام الدولة، وقد عبر الرئيس الشرع عن هذا الموقف مرارًا وتكرارًا، وأكدت عليه اللجنة التحضيرية في أول تصريحات رسمية لها، وهو يعكس بشكل عام القناعة السائدة لدى غالبية السوريين.

إلا أن المجتمع السوري يتكون من عدد من الأقليات الدينية، ومن غير الممكن إجراء حوار وطني شامل دون وجود أفراد يمثلون وجهة نظر ومصالح هذه المكونات. فكيف يمكن التوفيق بين رفض المحاصصة وضمان تمثيل هذه المكونات؟

لا يبدو أن هناك حلًا مثاليًا لهذه المعضلة، لكن التمثيل الجغرافي الذي يضم بطبيعة الحال التكوينات المختلفة يمكن أن يكون بديلاً للمحاصصة القائمة على تخصيص مقاعد محددة. ويجب أن نتذكر هنا عند الحديث عن المحاصصة أننا نتحدث أيضًا عن العملية التي تؤدي إلى تحقيقها، والتي تتضمن المساومة على المقاعد، وعلى آلية العمل والاعتراض، وغير ذلك. ومع إلغاء المحاصصة، يصبح التمثيل في حدود الممكن والمعقول، وتتحرر اللجنة من العديد من الأعباء التي يمكن أن يفرضها نظام المحاصصة.

يقود موضوع المحاصصة والاختيار لأعضاء المؤتمر إلى سؤال آخر حول إمكانية وجود أطراف مستبعدة من المشاركة، مما قد يضر بالأهداف التي يتوخاها المؤتمر. على سبيل المثال، تنظيم قوات سوريا الديمقراطية (SDF) الذي يقوده فعليًا حزب (PYD) الكردي التابع لحزب العمال الكردستاني، لن يشارك في مؤتمر الحوار الوطني، أولًا لأنه حزب سياسي، والتمثيل في المؤتمر فردي، وثانيًا لأنه يحمل السلاح ضد السلطة المركزية، بحسب تصريح المتحدث باسم اللجنة التحضيرية للمؤتمر.

ومع ذلك، فإن عدم وجود هذا التنظيم الذي حاول احتكار تمثيل الأكراد خلال العقد الأخير لا يعني عدم وجود المكون الكردي، ولا أعضاء من تلك التنظيمات في المؤتمر، فهؤلاء سيشاركون كغيرهم في المؤتمر بحسب تمثيل المناطق، كما أشارت اللجنة في مؤتمرها الصحفي الأول في 12 فبراير/ شباط الجاري.

لكن الأهم والأصعب هو استبعاد مؤيدي النظام السابق مع الحفاظ على وجود العلويين في المؤتمر. فقد يكون في معيار إعلان معاداة الثورة خلال سِنِي كفاحها الطويلة ما يساعد على وضعه في معايير العضوية للحفاظ على تمثيل معقول لمكونات الساحل، كما يمكن فهم هذا من عدة تصريحات لأعضاء اللجنة التحضيرية.

تكوين جدول أعمال

لقد شُكلت اللجنة بدون جدول أعمال محدد، وبدون تحديد إطار للنتائج، كما أشرنا سابقا. ولكن الهدف الأساسي للجنة هو إدارة حوار وطني شامل في كل ما يتعلق بمستقبل سوريا. ومن الصعب الاعتماد على الحوارات ذاتها لتشكيل جدول أعمال، فهذا سيستغرق الكثير من الوقت والجهد. لهذا السبب، تحتاج اللجنة التحضيرية إلى وضع جدول أعمال رئيسي بالموضوعات، وإدارة الحوار حولها، ولكن يتعين عليها بالتالي أن تحافظ على مرونة الموضوعات وقابليتها للتطوير والتغيير مع إطلاق الحوار في مراحله المختلفة.

وفي هذا السياق، فإن تصنيف الموضوعات على درجات حسب حساسيتها ودرجة الاختلاف حولها سيمنح الفريق قدرة أكبر على ضبط الحوار وتوجيهه بحيث يسهل الوصول إلى نتائج. فالمسائل المتعلقة بالدين وعلاقته بالدولة والأحوال الشخصية وهيكلية السلطة مثلاً، يتوقع أن تشكل نقاشًا محمومًا، وغالبًا لا يمكن حسم مثل هذه الملفات سوى في الهيئة التأسيسية التي عليها أن تعد التوافقات النهائية بخصوص مواد الدستور الدائم.

إن إدارة حوار وطني شامل تستغرق وقتًا طويلاً، ومن المحتمل أن تمتد لعدة أشهر. ومع ذلك، كان من الممكن تحديد جدول زمني واقعي لإنجاز المهمة، ولكن حتى يمكن اختصار الوقت، فإن مثل هذا الحوار لا يدار بدون هياكل أساسية وفرعية، كما أنه يحتاج إلى تشكيل فريق مساند من الخبراء يمكنهم تقديم المشورة التقنية، وإعداد ما يلزم لإطلاق الحوار، وتسريع العملية الحوارية وتحقيقها على وجه مناسب.

تشكيل هياكل مساعدة

حسب الأسماء المعلنة في قرار تشكيل اللجنة، فإن اللجنة تتألف من سبعة أعضاء ينتمون إلى خمس محافظات من أصل أربع عشرة محافظة سورية، وهي: دمشق، وحلب، وإدلب، وحمص، ودير الزور. والسؤال الذي يفرض نفسه هو كيف يمكن معرفة المرشحين المحتملين من المحافظات الأخرى لعضوية المؤتمر؟

هذا غير ممكن بدون وجود شخصيات خبيرة بكل محافظة، وهو أمر يقتضي وضعهم ضمن هيكلية إدارة الحوار. ولأنه لا يمكن لفرد امتلاك المعرفة الكافية بالمحافظة، فقد يكون من الضروري للوصول إلى الأشخاص المعنيين والواجب مشاركتهم في الحوار، تشكيل لجان فرعية للمناطق، فذلك ربما أفضل الطرق لتطبيق معايير اللجنة حول الأشخاص المرشحين.

إن الصعوبات المتعلقة بإدارة الحوار لا تتوقف هنا، فجمع النتائج وصياغتها يحتاجان لخبرات فنية، وقواعد محددة، وهذا تحديدًا يحتاج خبرات من نوع خاص، فالمسألة ليست مجرد تسجيل آلي للآراء، بل هناك طابع تقني تصمم له سجلات توثيق خاصة لتفي بالغرض من جهة، ومن جهة أخرى فإن اتباع منهجية للصيغ تجمع الآراء دون التفريط بالفروق والاختلافات بينها سيكون أمرًا أساسيًا لنجاح المؤتمر، وسيقلل الكثير من الانتقادات المحتملة لمخرجات المؤتمر.

إدارة الحوار ذاتها تحتاج مهارات متخصصة، ولها طرق وأساليب تسمح بتسهيل الوصول إلى توافقات مبكرة، وبالتالي يفترض أن يخضع مديرو الجلسات الحوارية أنفسهم لتدريبات خاصة من قبل خبراء متخصصين في إدارة التفاوض.

هذا أمر يمكن للأمم المتحدة أن توفره، وسبق أن قامت بتدريب العشرات من المعارضين السوريين في عام 2013 وما بعده. فريق إدارة الحوار يقوم بمهام مختلفة عن فرق التنظيم والدعم التي يجب أن تشكل أيضًا. وجود مثل هذه الفرق يجب أن يكون من متطوعين بحيث توسع من شعور المجتمع بالمشاركة.

أخيرًا:

ينتاب الكثيرين شعور بالإحباط تجاه فكرة إقامة "مؤتمر حوار وطني"، وذلك لأنهم يعتقدون بأن نتائج المؤتمر غير ملزمة، مما يعني إفراغ المشاركة التي تسعى السلطة إلى تحقيقها من خلال المؤتمر من جوهرها، وبعبارة أخرى، تكريس الاستفراد بالحكم.

وعلى الرغم من أن هذه المخاوف تبدو محقة من حيث المبدأ، إذ لا توجد ضمانات قاطعة للالتزام بالنتائج، إلا أن حاجة السلطة القادمة عبر الشرعية الثورية إلى تعزيز شرعيتها والانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الشعبية والتجذر في المجتمع السوري وتحقيق الانتقال السياسي، ستكون الضامن الأهم لالتزامها بالتوافقات والقضايا المجمع عليها في مخرجات الحوار.

وعلى أي حال، لا ينبغي توقع نتائج مثالية من هذا الحوار الوطني في عملية الانتقال السياسي، إنما ثمة ما يدعو إلى التفاؤل بأن الخطوة الأولى نحو مشاركة السوريين في تحديد مستقبل بلادهم قد بدأت للتو.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة