زيارة ترامب للخليج- رؤية جديدة للأمن والسلام والازدهار الإقليمي

المؤلف: فادي حيلاني08.07.2025
زيارة ترامب للخليج- رؤية جديدة للأمن والسلام والازدهار الإقليمي

مع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى منطقة الخليج في هذا اليوم، الثالث عشر من مايو 2025، تتصاعد التوقعات ويزداد الاهتمام بهذه الزيارة الهامة. تعتبر هذه الزيارة منعطفًا حاسمًا في مسيرة إعادة تشكيل الالتزام الأمريكي تجاه منطقة الشرق الأوسط.

في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة التي تشهدها المنطقة، بدءًا من إحياء المسار الدبلوماسي مع إيران، ومرورًا بتطورات الوضع في سوريا بعد انتهاء حكم الرئيس الأسد، ووصولًا إلى استمرار الصراع المحتدم في قطاع غزة، من المتوقع أن تتناول مباحثات الرئيس ترامب مع القادة الخليجيين قضايا استراتيجية ملحة، بالإضافة إلى استعراض رؤى مستقبلية تتعلق بالأمن الإقليمي، وفرص تحقيق السلام الدائم، وتعزيز التحول الاقتصادي.

وعلى النقيض من فترة ولايته الرئاسية الأولى، التي تميزت باتخاذ مواقف صارمة تجاه إيران وسوريا، تمثل هذه الزيارة فرصة سانحة للرئيس ترامب لتبني نهج دبلوماسي أكثر مرونة وعملية، وذلك استجابةً للواقع الإقليمي المتغير والتوجهات الخليجية الأكثر واقعية.

الاتفاق النووي الإيراني وأمن الخليج

تتصدر قضية إيران قائمة الأولويات في هذه المرحلة الانتقالية. من المتوقع أن تتزامن هذه الزيارة مع الجولة الرابعة من المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، مما يعكس تحولًا ملحوظًا عن موقف الرئيس ترامب السابق الرافض لخطة العمل الشاملة المشتركة. يبدو أنَّ واشنطن وحلفاءها في منطقة الخليج يميلون حاليًا إلى اتباع مسار دبلوماسي يهدف إلى فرض قيود قابلة للتحقق على البرنامج النووي الإيراني، مع تجنب أي مواجهة عسكرية مباشرة.

خلال العامين الماضيين، استثمرت الأطراف الخليجية في قنوات دبلوماسية خلفية مع طهران، وذلك بهدف تأسيس آليات لخفض التصعيد وتعزيز قنوات الاتصال غير المعلنة.

من المرجح أن تسعى إدارة الرئيس ترامب إلى استكشاف الدور الذي يمكن أن تلعبه دول الخليج في دعم هذه المفاوضات، ربما من خلال تقديم حوافز إقليمية، مثل التعاون الاقتصادي أو مشاريع التكامل في مجال الطاقة، بشرط التزام إيران بتعهداتها.

يمكن لهذا التنسيق الأمريكي الخليجي أن يسهم في تخفيف المخاوف من اندلاع سباق تسلح إقليمي، وإنشاء إطار أمني أوسع يعتمد على الترابط الاقتصادي كقوة دافعة للاستقرار.

من المتوقع أيضًا أن يدعو القادة الخليجيون الرئيس ترامب إلى ربط أي اتفاق نووي بآليات تحقق صارمة، وبنود تقيد برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني وأنشطته العسكرية عبر الوكلاء.

وهذا يؤكد أن دول الخليج لم تعد تكتفي بالدبلوماسية عن بعد، بل تسعى إلى لعب دور مباشر في صياغة ترتيبات ما بعد الاتفاق. وقد يحاول الرئيس ترامب استغلال هذا الإجماع الخليجي لتحقيق تنازلات أوسع من طهران، لا سيما فيما يتعلق بتدخلاتها في الصراعات بالوكالة في العراق ولبنان واليمن.

إذا أسفرت الزيارة عن رؤية ثلاثية متناسقة تجمع بين واشنطن ودول الخليج وإيران، فقد تفتح الباب أمام تهدئة إقليمية أكثر استدامة، على الرغم من استمرار التحديات السياسية.

سوريا بعد الأسد وإعادة الإعمار

يحظى الملف السوري بأهمية مماثلة، وربما بتعقيد أكبر. لقد مثّل سقوط بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2024، بعد أكثر من عقد من الحكم الاستبدادي والحرب الدامية، بداية فصل جديد محفوف بالتحديات في تاريخ سوريا. تقود دمشق حاليًا حكومة انتقالية، وتنظر دول الخليج إلى هذه المرحلة كفرصة لإعادة دمج سوريا في المحيط العربي، بشرط أن يترسخ هذا الانتقال من خلال إعادة الإعمار وإجراء الإصلاحات.

من المتوقع أن تحث المملكة العربية السعودية الرئيس ترامب على تخفيف بعض العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر، والتي تعرقل الاستثمار في البنية التحتية والقطاعات العامة في سوريا. ويرى قادة الخليج أن التخفيف المدروس للعقوبات، لا سيما في مجالات الطاقة والمياه والإسكان، يمكن أن يعزز القيادة الجديدة، ويمنع عودة النفوذ الإيراني، ويحول دون تحول سوريا إلى دولة فاشلة.

يكمن التحدي الذي يواجهه الرئيس ترامب في تحقيق التوازن بين الالتزامات القانونية الأمريكية والمبادئ الأخلاقية من جهة، والمنطق الاستراتيجي لإعادة الانخراط الاقتصادي المشروط من جهة أخرى.

إذا تم تقديم هذا الطرح في إطار متين، فقد يحقق مكاسب مزدوجة: الحفاظ على النفوذ الأمريكي، وفتح المجال أمام إعادة إعمار تقودها دول الخليج وتعزيز الاستقرار السياسي على المدى الطويل.

يزيد من تعقيد المشهد السوري الفراغ السياسي الناشئ، الذي تحاول قوى متعددة استغلاله.

تخشى العواصم الخليجية من أن يؤدي انسحاب أمريكي متسرع من سوريا إلى أزمة ممتدة جديدة. لذا، من المتوقع أن تقترح هذه الدول مبادرة استقرار تقودها دول الخليج، وربما تحت مظلة جامعة الدول العربية، على أن تكون مشروطة بدعم سياسي أمريكي وأطر قانونية تسمح بتدفقات مالية غربية محدودة.

قد يرى الرئيس ترامب، المعروف بميله لتفويض المهام إلى الحلفاء الإقليميين، في هذا الطرح فرصة سياسية مناسبة، تسمح لواشنطن بالحفاظ على نفوذها في مرحلة التحول السياسي السوري، دون التورط في التزامات عسكرية أو مالية كبيرة، وذلك تماشيًا مع مبدأ "أمريكا أولاً" الذي يتبناه.

وقف الحرب في غزة وإعادة الإعمار

فيما يتعلق بملف غزة، فقد تجاوزت الحرب مع إسرائيل أهدافها الأولية وتسببت في كارثة إنسانية غير مسبوقة. من المرجح أن تركز لقاءات الرئيس ترامب مع القادة الخليجيين على آليات وقف إطلاق النار الفوري، والبحث عن حلول مستدامة للحكم في مرحلة ما بعد الحرب.

في ظل ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، من المتوقع أن تقترح دول الخليج مبادرة لإعادة إعمار غزة برعاية أمريكية، مع منح السلطة لمؤسسات محلية تكنوقراطية أو تحت إشراف دولي لا تشارك فيه حماس.

قد يسعى الرئيس ترامب إلى إحياء إنجازاته السابقة من خلال اتفاقيات أبراهام، وذلك عبر ربط جهود إعادة الإعمار بتعزيز مسار التطبيع العربي الإسرائيلي. بيد أن هذا المسار ينطوي على مخاطر سياسية كبيرة، لا سيما في حال رفضت إسرائيل تقديم تنازلات جوهرية، أو في حال استمرت الانقسامات الفلسطينية الداخلية.

ومع ذلك، يمكن للرئيس ترامب ودول الخليج توظيف أدوات نفوذهم، من خلال القوة الاقتصادية الخليجية والدبلوماسية الأمريكية، لتأسيس نموذج حكم جديد في غزة يحظى بدعم المانحين الدوليين وشرعية الفاعلين الإقليميين.

علاوة على ذلك، من المرجح أن يطالب القادة الخليجيون بأن تكون جهود إعادة الإعمار مصحوبة بضمانات سياسية تمنع عودة الجماعات المسلحة. وقد يقترحون نشر قوات عربية لحفظ السلام أو مراقبين دوليين في غزة بعد انتهاء النزاع لضمان الاستقرار وبناء الثقة.

من المرجح أن يرى الرئيس ترامب، الذي يفضل الصفقات الواضحة وذات الأثر القوي، في هذه المبادرة فرصة لتقديم نفسه كصانع سلام في منطقة طالما ارتبطت بالصراعات المزمنة. سيكون لهذا الخطاب جاذبية مزدوجة: في العواصم الخليجية التي تتوق إلى دور أمريكي فعال، وفي قاعدته الشعبية التي تتطلع إلى تحقيق انتصارات دبلوماسية دون تدخل عسكري طويل الأمد.

التحالفات الأمنية والدفاعية في الخليج

بعيدًا عن بؤر التوتر الجيوسياسي، ستشكل مسألة التعاون الدفاعي والأمني محورًا أساسيًا في هذه الزيارة. لا تزال دول الخليج تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري الأمريكي لردع التهديدات الإقليمية، لا سيما تلك الصادرة عن إيران والجماعات المسلحة غير الحكومية مثل حزب الله والحوثيين.

من المتوقع أن يؤكد الرئيس ترامب على التزام بلاده بالضمانات الأمنية، مع الدعوة إلى تعزيز التكامل العملياتي من خلال إجراء تدريبات عسكرية مشتركة، وتبادل فوري للمعلومات الاستخباراتية، وإنشاء أنظمة دفاع صاروخي متكاملة.

قد يتم طرح فكرة إنشاء تحالف أمني على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو) خاص بمنطقة الخليج مرة أخرى، وذلك بهدف تنظيم الشراكات الدفاعية القائمة منذ عقود.

سيكون لهذا التحالف دور مزدوج: ردع أي مغامرات إيرانية، وإرسال رسالة واضحة مفادها استمرار التزام واشنطن بأمن منطقة الخليج، على الرغم من انشغالاتها الاستراتيجية العالمية.

غير أن الرئيس ترامب سيشترط على الأرجح تعزيز هذه الضمانات بزيادة الإنفاق الدفاعي الخليجي، ورفع حجم المشتريات من الصناعات العسكرية الأمريكية. وهذا يتماشى مع النهج الذي يعتمده، والقائم على مبدأ "المقابل المادي" في التحالفات.

في هذا السياق، يبرز اهتمام متزايد بدمج التكنولوجيا الناشئة في البنى الدفاعية الخليجية. أصبحت أنظمة الطيران الذاتي، والمراقبة المعززة بالذكاء الاصطناعي، وبروتوكولات الأمن السيبراني، من الركائز الأساسية في استراتيجيات الدفاع الإقليمي.

من المتوقع أن يعرض الرئيس ترامب مجموعة من تقنيات الدفاع الأمريكية المصممة خصيصًا لتلبية احتياجات منطقة الخليج، بدءًا من أسراب الطائرات بدون طيار، ووصولًا إلى الأنظمة البحرية ذاتية القيادة، ومنصات رصد التهديدات المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

يعد هذا الاندماج بين التكنولوجيا العسكرية والدفاع الخليجي بمثابة المرحلة التالية من التعاون الأمريكي الخليجي، حيث يمنح الدول الخليجية قدرًا أكبر من الاستقلالية، مع الحفاظ على الولايات المتحدة كشريك تقني مفضل، في مواجهة منافسين مثل الصين وروسيا.

بقدر لا يقل أهمية، وإن كان أقل تداولًا، يأتي التعاون في مجال التكنولوجيا، لا سيما في مجال الذكاء الاصطناعي. لقد أصبحت دول خليجية مراكز إقليمية رائدة في هذا المجال، حيث تستثمر مليارات الدولارات في البنية التحتية الذكية، والحكومة الرقمية، والدفاع المؤتمت.

الذكاء الاصطناعي والتعاون التكنولوجي

من المتوقع أن تتضمن زيارة الرئيس ترامب مقترحات لإنشاء شراكات ثنائية في أبحاث الذكاء الاصطناعي، وتأسيس مراكز ابتكار تابعة لجهات أمريكية في عواصم خليجية، وتعزيز التعاون في مجالات الأمن السيبراني والمعايير الرقمية.

ستدعم هذه المبادرات أهداف التنويع الاقتصادي الطويلة الأجل في إطار رؤية 2030 وغيرها، كما ستشكل في الوقت نفسه توازنًا استراتيجيًا في مواجهة النفوذ الرقمي الصيني المتنامي.

مع تزايد قلق واشنطن بشأن توغل بكين في البنية التحتية الرقمية الخليجية، قد يعرض الرئيس ترامب بدائل جذابة في مجالات الجيل الخامس، والخدمات السحابية، وسياسات السيادة الرقمية.

علاوة على ذلك، توفر أجندة الذكاء الاصطناعي فرصًا مثمرة ومشتركة في مجالي تنمية القوى العاملة وبناء أنظمة الابتكار. تسعى دول الخليج إلى تطوير كوادر وطنية مؤهلة من خلال إقامة شراكات مع جامعات وشركات تقنية أمريكية رائدة، وقد يقترح الرئيس ترامب إنشاء تحالفات أكاديمية صناعية تدمج الخبرات الأمريكية في قطاعات الابتكار الخليجية.

تشمل الأدوات المحتملة لهذه الشراكة: أدوات التنبؤ الأمني، وأنظمة مقاومة التغير المناخي المعززة بالذكاء الاصطناعي، وغيرها من التقنيات المبتكرة.

تتيح هذه المبادرات للرئيس ترامب تقديم بلاده كقائد في هذا المجال الحيوي الذي يتنامى فيه النفوذ الصيني. إذا تحققت هذه المقترحات، فقد تؤسس لتحالف رقمي طويل الأمد لا يقل أهمية وتأثيرًا عن الاتفاقيات الأمنية التقليدية.

في سياق أوسع، تندرج هذه الزيارة ضمن جهوده الرامية إلى إعادة بناء تحالفاته في منطقة الشرق الأوسط، في ظل تراجع الثقة الأوروبية، وعودة النفوذ الروسي الصيني في المنطقة.

على هذا الأساس، تسعى إدارة الرئيس ترامب إلى تأطير منطقة الخليج كمنصة استراتيجية لانطلاقة جديدة، توظف فيها أدوات الدبلوماسية الثقافية، والابتكار التكنولوجي، والاستثمار السيادي لتعزيز مكانة الولايات المتحدة.

من المرجح أن يتم طرح موضوع "الناتو العربي" مرة أخرى، ولكن بصيغة معدلة تركز على التكامل الأمني السيبراني، والدفاع الجوي المشترك، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، بما يتماشى مع تطلعات دول الخليج لتعزيز أمنها الداخلي دون الانجرار إلى تحالفات عسكرية غير مرنة.

في الختام، تمثل زيارة الرئيس ترامب إلى منطقة الخليج اختبارًا حقيقيًا لرؤيته الجيوسياسية الجديدة، وفرصة ذهبية لإعادة صياغة العلاقات الأمريكية الخليجية ضمن معادلة أكثر تنسيقًا واستقرارًا.

بينما يحمل التاريخ سجلًا متباينًا لهذه العلاقات، فإن التحولات الجارية، من تداعيات الحرب في غزة، إلى إعادة تشكيل المشهد في سوريا، إلى تصاعد حدة المنافسة مع الصين، تفرض على الجانبين تبني مقاربة أكثر واقعية وابتكارًا.

في حال نجحت هذه الزيارة في تحقيق تفاهمات عملية وملموسة، فقد تمهد الطريق لإعادة تعريف الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط في العقد المقبل، بعيدًا عن التدخلات العسكرية المباشرة، ونحو شراكات تنموية ونفوذ ذكي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة