نقد مقال حل الإخوان في سوريا- توقيت، سياق، منطق

المؤلف: ياسر سعد الدين08.30.2025
نقد مقال حل الإخوان في سوريا- توقيت، سياق، منطق

لقد اطلعت بتمعن على مقال الدكتور أحمد موفق زيدان، الصديق العزيز، الذي عنونه بـ: "متى ستحل جماعة الإخوان المسلمين في سوريا نفسها؟"، فانتابتني دهشة عظيمة واستغراب جم من توقيته وسياقه ومنطقه ومبتداه.

يبدأ الكاتب مقاله بتمهيد وجداني، يتحدث فيه عن علاقته الحميمة بالإخوان المسلمين وذكرياته العطرة معهم، ثم يسطر قائلاً: "حتى منّ الله عليّ وعلى إخواني بسحق عصابة الأسدين يوم الثامن من ديسمبر/كانون الأول المنصرم، مما خلّص المعمورة بأسرها من شرورهم وآثامهم".

إن اختزال الصراع الطويل الأمد مع نظام الأسد، والذي امتد لعقود مديدة، في عملية عسكرية بحتة في ظل ظروف إقليمية ودولية سانحة، فيه ضرب من التقليل والإجحاف، كما أن حصر الفضل والإنجاز في فئة معينة بعبارة "أكرمني الله وإخواني"، يبدو تكراراً لنهج سائد في سوريا، خاصة في الأيام الأولى لسقوط نظام الأسد، عند ترديد الشعار المثير للجدل: "من يحرر يقرر".

يزعم الكاتب أن الدافع وراء كتابة مقاله هو قناعات راسخة ترسخت لديه بعد دراسات معمقة ونقاشات مستفيضة ومقاربات دقيقة لأشباه ونظائر في عالم التجربة والممارسة السياسية.

وهنا يبرز سؤال جوهري للكاتب: ما هي المناهج العلمية التي اعتمدها في تلك الدراسات والمقاربات؟ مع الإشارة إلى أن مقاله يتضمن تعسفاً واضحاً في ضرب الأمثلة، وتعدياً سافراً على حقائق بديهية ومشهودة.

يقول زيدان بلهجة واثقة: "منذ فجر الانتصار الذي لم يشهد السوريون له مثيلاً في تاريخهم، بادرت كل الأجسام السورية، من الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة، والمجلس الإسلامي السوري، إلى الفصائل العسكرية والسياسية والمجالس المحلية، وغيرها، إلى حل نفسها، ووضع مقدراتها، تحت تصرف القيادة السورية الجديدة".

ولكن مع الأسف الشديد، تفتقر هذه المعلومات إلى الدقة المتناهية، فالائتلاف تعرض لضغوط جمة ومعروفة لحل نفسه، وينطبق الأمر ذاته على المجلس الإسلامي السوري وغيرهما. كما صرح الشرع بعد أيام قلائل من سقوط الأسد بأن أجسام المعارضة لم تعد ضرورية بعد الانتصار، وبالتالي فإنه يتحتم عليها أن تحل نفسها.

يتحدث زيدان بلغة عاطفية مجافية للواقع: "فكان الكل يهتف بصوت واحد ونغمة متوافقة، وهو دعم هذه الدولة الفتية لعبور سوريا إلى مرحلة استقرار حقيقي وواقعي وناجز، لا سيما مع كثرة المتصدين والمتربصين داخلياً وخارجياً".

هل هذا هو التصور والرؤية التي يحملها المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية عن الدولة الحديثة والحداثة والتقدم، والتي يطالب الجماعة بمواكبتها؟ أليس الاختلاف والتنوع هما سنة الحياة، ودرب النقاش والمقاربات المتباينة، وهما جوهر الدولة الحديثة الديمقراطية والناجحة؟

إن اللحن الواحد والنغم الواحد هما من السمات البارزة للدول الشمولية والاستبدادية والشيوعية، ويمكن للمرء أن يلمسهما بوضوح في كوريا الشمالية على سبيل المثال.

كيف ولماذا يرى الكاتب أن حل التنظيم سيخدم الوطن، والذي هو رأس مالنا جميعاً، ومقصدنا الأسمى، بحسب تعبيراته الوجدانية؟، ولماذا لا يعتبر أن وجود تنظيم دعوي لا يؤمن بالعنف، بل وسارع إلى دعم الحكم الجديد، هو سبيل مجد ووسيلة ناجعة لمواجهة الأفكار التكفيرية والمتطرفة، ولنشر المعرفة والثقافة الإسلامية السمحة والمعتدلة؟

يقول الكاتب بلهجة حاسمة: "يعلم القاصي والداني أن أصغر فرد في جماعة الإخوان المسلمين، ربما يكون عمره في بداية الستينيات، باستثناء أبنائهم ربما. فالفجوة العمرية التي يعانونها اليوم تعود بلا شك، إلى حرمانهم من العمل السياسي في سوريا، طوال تلك الحقبة الزمنية؛ نتيجة الغياب القسري الذي مورس بحقهم. وقد تسبب إصرارهم على التمسك بقرار عدم حل الجماعة في حرمان شبابهم من المشاركة الفعالة في بناء الدولة، ما دام المحيط الأقرب والأبعد على خلاف معهم، ومتحفظاً أو متوجساً منهم، فضلاً عن الاقتراب منهم، وهو ما يُفقد الدولة السورية الجديدة خبرات ومهارات قيّمة".

هنا يتناقض الكاتب مع نفسه تناقضاً بيّناً، بل ويدوّن ما يمكن أن يستغله خصوم الحكم الجديد كذخيرة ثمينة لاتهامه بأنه حكم ذو نزعة استبدادية، وأنه يسعى جاهداً لإقصاء مكونات الشعب السوري المختلفة وتهميشها.

فالكاتب يتحدث تارة عن شيخوخة أعضاء التنظيم، ثم يتحدث تارة أخرى عن مهارات شبابهم الذين قد يُحرمون من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية لانتمائهم إلى الإخوان، وفقاً لرأيه.

إن الكاتب، الذي يحرص كل الحرص على المهارات والكفاءات الموجودة في صفوف الإخوان، يمتدحهم دون قصد، واصفاً إياهم بأنهم يمتلكون القدرات والمهارات، ويصف الحكم بشكل غير مباشر بأنه إقصائي، يقصي المهارات لمجرد انتماءاتها الفكرية السلمية، والتي لا تواجه الدولة ولا تنافسها. ثم من أين وكيف علم الكاتب بإصرار الإخوان وتمسكهم بقرار عدم حل الجماعة؟ هل أجرى استفتاء شعبياً في هذا الشأن؟

يتحدث زيدان عن غياب الإخوان المسلمين عن الساحة السورية لفترة طويلة تمتد لحوالي نصف قرن، والتي يرى أنها أضرت بالتنظيم أيما ضرر. بالرغم من أن هناك من قد يخالفه الرأي، معتبراً أن هجرة الإخوان وتوزعهم في أصقاع المعمورة أكسبهم خبرات وقدرات متنوعة. ثم هل المطلوب منا الآن أن نحقق أمنية حافظ الأسد في إقصاء الإخوان وحل تنظيمهم؟!

لقد كان الإخوان المسلمون في طليعة من تصدى لحافظ الأسد ونهجه الطائفي، وقدموا ثمناً باهظاً؛ دفاعاً عن سوريا وشعبها وعقيدتها منذ ما يقارب نصف قرن، ولو تحرك الآخرون في ذلك الوقت العصيب، لتم إنقاذ الملايين من الضحايا، ولجنبنا الدمار والأثمان الباهظة التي تحملتها سوريا إنساناً وبنياناً في السنوات الماضية.

لقد تعرض الإخوان لحملات إبادة جماعية، وتمت تصفية خيرة شبابهم في سجن تدمر الرهيب، وفي غيره من المعتقلات، وسنّ حافظ الأسد قانون 49 سيئ السمعة عام 1980، والذي يقضي بإعدام كل من ينتسب إلى الجماعة.

فهل بعد أن تحقق الانتصار المنشود، وتحررت سوريا من نير حكم الأسد، علينا أن نكمل مهمة الأسد ونحقق أمنيته الدنيئة في إقصاء الإخوان، عوضاً عن مكافأتهم وتقدير دورهم البارز ونقل تجاربهم الثرية إلى الأجيال القادمة.

لقد تحدث الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- عن أهل بدر وعن سابقتهم المشرفة، فعوضاً عن أن نشكر جيلاً تصدى للأسد ببسالة نادرة، نجعل من جهادهم وتصديهم لبطش الطاغية، نقيصة ومؤشراً على الجمود والتحجر، من غير تقديم أدلة منطقية أو دراسات علمية رصينة، بل نكتفي بإطلاق عبارات رنانة وشعارات طنانة لا تسمن ولا تغني من جوع.

يكتب المستشار الإعلامي المحترم عن "إصرار الإخوان على البقاء مغردين خارج السرب، مع تصريحات هنا وهناك تُلمح إلى عدم رضاهم عما يجري، يزيد من الشُقة والخلاف مع الشارع المؤيد للحكومة".

فهل له أن يعرفنا ما هو هذا السرب الذي يتحدث عنه؟ وهل يجب الانسلاخ عن الفكر والماضي العريق للدخول فيه؟ وهل أصبح التلميح بعدم الرضا عن أمر ما، ناهيك عن التصريح به علانية، جرماً وخطيئة لا تغتفر؟ وهل من أدلة دامغة على ذلك؟ وما هي سوريا التي يراها المستشار العزيز، لوناً واحداً وسرباً واحداً وأفواهاً مكممة وأكفاً مصفقة بشكل دائم؟ أين الحريات الأساسية والمشاركة الفعالة في الحياة السياسية وحق التعبير المكفول للجميع؟!

ويمضي الكاتب قُدماً في رحلة عبر التاريخ، فيتحدث عن حل التنظيم نفسه أيام الوحدة مع مصر؛ حرصاً منه على الوحدة المنشودة، رغم ما نزل بالتنظيم من بلاء وابتلاء على يد جمال عبدالناصر، ليقول بأسلوب إنشائي: "والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل تلك المرحلة التاريخية كانت أهم وأوجب من هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها سوريا اليوم، وهل دعوة عبدالناصر هي أولى بالإجابة والسمع والطاعة من حاجة الرئيس السوري أحمد الشرع، لتثبيت حكم دفع في سبيله مليون شهيد و14 مليون مهجر، وهو يعيش ظروفاً داخلية وإقليمية ودولية استثنائية، ومن الذي هو أولى بتثبيت أركان الحكم، أبناء سوريا وتنظيماتها الوطنية، أم دول إقليمية ودولية هبت لنجدة الدولة الوليدة؟!".

مقارنة عجيبة ومستغربة، ما هي حاجة الرئيس أحمد الشرع من غياب الإخوان في سوريا؟ وكيف سيؤدي ذلك إلى تثبيت دعائم الحكم؟ وهل المستشار مقتنع حقاً بأن دولاً إقليمية ودولية قد هبت فعلاً لنجدة الدولة الوليدة لوجه الله تعالى؟ ثم هل إذا حل الإخوان أنفسهم فستنحل مشكلة قوات سوريا الديمقراطية والأكراد والدروز والعلويين في الساحل مثلاً؟ وهل ستصل الكهرباء إلى كل بيت وحارة في سوريا؟ مع كامل التقدير والاحترام، فإن في الأمر تبسيطاً مخلاً، ومنطقاً غائباً ومغيّباً.

إن سوريا بأمس الحاجة – يا سعادة المستشار- إلى تضافر جهود جميع القوى الإسلامية والوطنية للمشاركة الفعالية في بناء سوريا الجديدة، من خلال ضمان حرية العمل السياسي وتشكيل الأحزاب والجماعات، وممارسة حرية التعبير والانتقاد البناء.

إن ما تشهده سوريا من إخفاقات متتالية، إنما يعود -في تقديري المتواضع- إلى تصحر العمل السياسي، وإلى تركيز جميع السلطات في يد فئة قليلة، من غير وجود أي آلية للمساءلة والمحاسبة. والأمثلة على التخبط الاقتصادي والسياسي وغياب الشفافية والنزاهة عديدة ومتنوعة، ولا يسع المجال لتعدادها في هذا السياق.

ولكن خذ على سبيل المثال لا الحصر، مسألة وحدة سوريا، ففي لقاء مع وجهاء إدلب، صرح الرئيس الشرع بأن وحدة سوريا تتحقق بالحوار وبالطرق السلمية.

ما الذي يضيركم- يا سعادة المستشار الإعلامي- وما الذي يشغل بالكم ويدفعكم إلى كتابة هذا المقال المثير للجدل، وجود جماعة ديناصورية، كما وصفتموها، أبناؤها ممن تجاوزوا الستينيات بحسب توصيفكم المبالغ فيه؟؟ هل هذا هو أولوياتكم الملحة في سوريا، والتي تعاني أشد المعاناة من تحديات وجودية جمة؟

كنت أتوقع منكم، وأنتم من قضى زهرة شبابه في بلاط الإعلام، التشديد على أهمية حرية الإعلام والنقد البناء، وإطلاق ميثاق لتشكيل الجماعات والأحزاب السياسية، والعمل الدؤوب على تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد المستشري، والتأكيد على العدالة الانتقالية ومحاكمة القتلة والمجرمين في محاكم علنية وشفافة.

يختتم الكاتب مقاله بعبارات تحمل في طياتها الكثير من المغالطات: "أما رفع الشعارات الكبيرة، لتدفع ثمنها وديتها بشكل يفوق القدرات والإمكانات وحتى المستطاعات، فهذا ليس من المنطق في شيء، وهو تماماً ما يفعله الإخوان، إذ يعاملهم العالم كله وكأنهم أخطبوط وإمبراطورية عالمية، وخلافة إسلامية على امتداد القارات الست، بينما حقيقتهم وواقعهم يُرثى له، فالمساكين متمسكون بقصور خيالية وهمية سرابية".

ما هي هذه الشعارات الكبيرة التي يرفعها تنظيم الإخوان المسلمين السوريين؟ وهل العالم الذي يعاملهم كإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، يجهل حقيقتهم وواقعهم المرير، وهو يملك قدرات خارقة في الرصد والتقصي والتجسس؟ وإذا كان يعلم حالهم ثم يعاملهم بهذه الطريقة التجاهلية، فلماذا يفعل ذلك؟ وهل يجب علينا أن نكون أسرى لتقييم العالم ونظرته المعتلة وموازينه المختلة؟

وإذا اعتبر العالم أو جزء منه أن المقاومة الباسلة والدفاع المستميت عن الأرض والعرض إرهاباً مرفوضاً، وأن من حق الاحتلال أن يبيد ويدمر ويقتل، فهل علينا أن نصغي إليه ونتبع تعليماته السقيمة وتوجيهاته الفكرية المضللة ومحاولات هيمنته المعنوية؟

إذا كان الحكم الرشيد في سوريا غير قادر على استيعاب جماعة إسلامية سلمية أيدته وساندته ولم تطلب لنفسها شيئاً وطاوعه مشايخها الأجلاء فحلوا مجلسهم، فكيف يمكنه استيعاب التيارات الأخرى والأحزاب والطوائف والعرقيات المختلفة؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة